ماذا بعد ؟

د. هاشم غرايبة

حرير- بعد اليوم المائة على شن أشرس حملة في هذا القرن على أمتنا، من قبل محور الشر ذاته – العدو الاستعماري التاريخي لها، ثبت له فشله في تحقيق الهدفين المعلنين (تحرير المحتجزين والقضاء على المقاومة).

ولكن، كما في كل الحملات العسكرية، هنالك هدف مضمر لا يفصح عنه المعتدي، لأنه يظهر حقيقة نواياه ويكشف مأربه الحقيقي، لذلك للتعمية عليه وصرف الأنظار عنه، يكثر من التصريحات حول الأهداف المعلنة.

ليس صعبا معرفته، بل يمكننا التوصل إليه من رصد ثلاثة عناصر هي: خفايا التحركات السياسية، وفلتات ألسنة المسؤولين لديهم، والتشريعات والقرارات المتخذة.

التحركات المكثفة لوزير الخارجية الأمريكي في المنطقة العربية ليست لاجراء محادثات، بل هي في اتجاه واحد، أي إيصال رسائل وتعليمات، وتصريحاته عن فحوى الرسائل التي كان يوصلها للمسؤولين العرب، تبين أنه يسعى للإطمئنان على إدامة تجريم فعل المقاومة الذي تعهدت الأنظمة بضبط شعوبها لنبذه والتخلي عنه، من خلال ما أسمته العملية السلمية، ومن جهة ثانية الاطمئنان على استمرار مسار التطبيع، كونه الوسيلة الأنجع لضمان هيمنة وأمن وحماية الكيان اللقيط.

ومن خلال تصريحات الوزير الصحفية عقب كل زيارة، يظهر أن ذلك كان المضمون الوحيد لما جرى في اللقاء، وأن ما يعلنه المسؤول العربي من جانبه عن أنه قد جرى الحديث عن وقف اطلاق النار ليس صحيحا، بل هو تصريح للإستهلاك المحلي ليس إلا.

وإذا استعرضنا التحركات التشريعية والقرارات الرسمية في أمريكا وأوروبا، نلاحظ أن القاسم المشترك بينها هو محاصرة الأصوات الحرة وبالأخص الفكر الإسلامي، ولعل أحدثها أغرب تشريع أقره البرلمان البريطاني بالإجماع!، وهو تجريم الانتساب الى أحزاب إسلامية، فقد أقر عقوبة الانتساب لحزب التحرير أو دعمه أو التبرع له بالسجن أربعة عشر عاما!، في الوقت الذي تتبجح فيه بريطانيا بأنها تحترم المعتقد السياسي، ولا تمنع الأحزاب السياسية حتى تلك التي تتبنى الكفاح المسلح، وبالطبع شهدت أغلب الدول الأوروبية تشريعات مماثلة موجهة فقط للفكر الإسلامي، حتى سويسرا التي يرتكز دستورها على الحياد التام، خالفته للمرة الوحيدة بإعلانها تجريم الإسلام السياسي تحديدا وحصرا.

هكذا نلاحظ أن المشترك الوحيد في قلق أوروبا هو ما يسمونه الإسلام السياسي، أي الجـ-ـهاد بمفهومنا نحن، وهو العنوان الجامع لكل سياسات الغرب تجاه منطقتنا، حيث يرى مصالحه فيها مصانة وأمن الحارس الموثوق عليها (الكيان اللقيط) مستتبا، الخطر الوحيد الذي يتهددها هو العودة الى الحصن المنيع من الخنوع والاستسلام للمستعمر وهو الإسلام.

الإسلام الذي يخشونه ليس العبادات ولا الأدعية وألأوراد، بل الإسلام المقاوم أي السياسي، لأن معركة الطوفـ.ـان أثبتت أنه أقوى من صواريخهم وبوارجهم.

لذلك كانت خيبة أملهم الأشد، هي في فشل العدوان في تحقيق الهدف المضمر، وهو القضاء على الروح الجـ-ـهادية، فبعد أن اعتقدوا بأنهم سيطروا عليها، وأنهم على وشك اقتلاعها من نفوس الأمة بالقمع والمصادرة والتيئيس، إلا أنها عادت بفضل استبسال المقاومة الإسلامية، وبصورة أشمل، فعمت كل بقاع الأمة.

فشل الهدفين المعلنين لا يقلقهم كثيرا، فليسوا على عجلة، لأن لديهم الامكانيات لإعادة الكرة مرة بعد أخرى، لكن ما يقلقهم فشل الهدف المضمر، وانقلاب كيدهم الى ضده، لأن ذلك يعني الكثير، منها:

1 – القلق على بقاء منظومة (سايس – بيكو) التي انفقوا قرونا حتى تمكنوا من إنشائها.

2 – أصبح الخوف جديا من إمكانية الزوال القريب للكيان اللقيط الذي أنفقوا مئات المليارات على إدامته.

3 – الخسارة الأفدح تمثلت في الفشل في ترسيخ الصورة المضللة للإسلام، رغم الإمكانيات الهائلة والتقنيات المتقدمة، إلا أن الإنقلاب عليها وانكشاف الحقائق أدت الى ردة فعل عكسية بين الشعوب الغربية، وهذا أكثر ما يقلقهم، لأن ذلك يعني تفتح العقول التي نجح التعصب في إغلاقها قرونا، للدخول في الإسلام، وبذلك بعد أن كانوا غزاة عسكريا لديار المسلمين، يجري غزوهم فكريا في عقر دارهم.

فماذا بعد؟

لكي نغتنم ما حدث من انقلاب السحر على الساحر، فتستعيد الأمة ما أضاعه المتخاذلون عليها، على الجماهير المؤمنة التنبه للإختراق الوحيد الذي سيضيع هذه الفرصة التاريخية.

ويتمثل ذلك بالتصدي لقطار التطبيع، الذي كاد يصل الى محطته الأخيرة والأهم، وهي الجزيرة العربية، فأراد الله لنا هذه المحنة لينبهنا الى خطورة ما كان سيتم.

مقالات ذات صلة