الاستسلام العربي لواقع السقوط : الحقيقة المرّة

د. لبيب قمحاوي

هل يستسلم العرب لواقعهم البائس المرير ولكل ما هم فيه من أمراض وشطط سياسي و اقتصادي واصرار على الانتحار التدريجي للدولة ، وإختيار الأسوأ لولاية الأمر والشأن العام ؟ هل الانهيار الداخلي لكل دولة عربية والذي وصل الى حد التمزيق  الذاتي والاضمحلال المؤسسي المتواصل أمر طبيعي في سياق تاريخ الأمم صغرت  أم كبرت ؟؟
     أين ذهبت المشاعر النابضة والعواطف الجياشة وكل تلك الآمال و الأحلام العريضة التي رافقت حقبة النهوض القومي للعرب في خمسينيات القرن الماضي ، والتزامها الشامل بقضية فلسطين باعتبارها قضية العرب الأولى ؟؟ هل أصبح العرب و أوطانهم رجل العالم المريض الذي ينتظر من يرثه أو من يواريه الثرى ؟
     السعي نحو الأفضل هو مسعىً طبيعي لكل الشعوب الحية ، وهو ليس أمراً مستحيلاً كما يبدوعليه الوضع  في الحالة العربية التي تعكس ضعفاً ذاتياً وخللاً بنيوياً ناجماً عن عقود من الممارسات السيئة والمستبدة للأنظمة الحاكمة ، واستسلاماً خانعاً عجيباً للشعوب المحكومة . الشعوب العربية بشكل عام بلغ فيها الاستسلام للحاكم حداً فاق حدود المنطق وجعل من مطالب الاصلاح والتغيير مهما تواضعت أمراً يستوجب من تلك الشعوب أن تستأذن حكامها وتلتمس موافقتهم وقبولهم . منطق عجيب لشعوب خانعة  لدرجة انها نسيت او تناست أن  فاقد الشئ لا يعطيه و أن الحاكم هو جزءٌ من المشكلة وليس جزأً من الحل .
     الأنظمة الحاكمة هي في العادة أساس الخراب وبالتالي فهي لن تكون قابلة أو راغبة في الاصلاح والتغيير لأن تلك المطالب سوف تَمَسّ مصالحها إن لم يكن وجودها  نفسه . ولكن ما يجري يعكس في عموميته حالة الفوضى واللامنطق والضعف والتشتت التي تسود المنطقة العربية . فالتغيير أصبح مرتبطاً في معظم الحالات بالفوضى نظراً لرفضه كمطلب من قبل النظام الحاكم وأعوانه . وهكذا ، يترنح العالم العربي الآن بين الاستسلام القهري لواقع الاستبداد والفساد أو السعي نحو التغيير الحقيقي والمرتبط غالباً بالفوضى الناجمة عن غياب برنامج العمل أو التنظيم القائد لمسيرة التغيير .
     إن إختزال المصالح الوطنية للدولة العربية المعاصرة بمصلحة النظام الحاكم حصراً وضمن رؤيته الذاتية ، والتعبير عنها بشكل مزاجي أو مصلحي من قبل الحاكم العربي الفرد ، قد أدى الى اضعاف الدولة الوطنية ومؤسساتها وحوَّلها تدريجياً الى إمتداد  للنظام الحاكم و أحد تجلياته الخاضعة تماماً لمصالحه الأنانية ورؤيته الذاتية . ومع استمرار هذه الحاله ، فإن هيكلية الدولة ومؤسساتها سوف يصيبها  الوهن والضعف الناتج عن الافتقار الى المبادرة الذاتية وقلة  الانجاز أو محدوديته ،واعتمادها بشكل كامل على ما يردها من أوامر أو تعليمات من الحاكم حتى تعرف  ماذا تفعل و أين تقف .
هذا الأمر لم يعد محصوراً بالمؤسسات السيادية والمتعلقة  عادة بالقضايا العسكرية و الأمنية والسياسة الخارجية و الاقتصادية ، بل استفحلت وصاية الحاكم العربي على دولته بحيث أصبحت تغطي تقريباً كافة أوجه الحياة ، مما حَوَّل الدول العربية المعنية الى ظلٍ للحاكم . وما جرى في ليبيا واليمن ومصر وسوريا في حقبة الربيع العربي ويجري الآن في دول عربية أخرى مثل تونس والسودان انما هي أمثلة على ذلك حين يؤدي سقوط النظام الى سقوط الدولة المعنية وتصنيفها كدولة فاشلة ،   أو استمرار وتنامي واستفحال تسلط الحاكم واستبداده الى التعجيل بإنهيار مؤسسات الدولة  .
     من المؤسف أن العالم العربي  بواقعه الحالي  المهلهل والمتراجع الى أدنى مراتب التصنيف الدولي هو بانتظار إما من ينقذه أو من يَرِثهُ ويستحوذ عليه أو على أجزاء منه .  قائمة الدول الاقليمية المهتمة واضحة وهي تشمل بشكل أساسي اسرائيل وايران وتركيا .
     لا يوجد بين العرب من هو قادر على وراثة هذا العالم العربي المريض أو راغبٌ بإنقاذه أو قادرٌ على ذلك . فالعدو الأكبر للعروبة و التلاقي العربي هم حكام العرب أنفسهم . فالعروبة بطبيعتها وحدوية ومنظورها التكاملي هو العدو الأكبر للأنظمة العربية التي يسعى كل منها الى الانفراد بالدولة التي يحكم والاستفراد بها وبمقدراتها بعيداً عن أي مشاركة .
      وما أصبحنا نشاهده  من إعطاء الأولوية لمشاريع اقليمية تربط بعض  الدول العربية بإسرائيل هو تطور ملحوظ في السنوات الأخيرة . ومن الملاحظ أن سهولة تطبيق مثل تلك الاتفاقات يعود الى كونها لا تشكل خطراً على انفراد وتفرد الأنظمة العربية المعنية بالسلطة و إن كان يعني في الواقع التآكل التدريجي لسيادة الدولة دون المساس بالضرورة بالأنظمة الحاكمة و الملتزمة بذلك المسار التطبيعي .
     ان ضعف الدولة القطرية العربية وعملية اضعاف العروبة كإنتماء وعقيدة قومية ملزمة قد فتح المجال أمام أعداء العرب للعمل على تحويل الدول العربية تدريجياً الى دول فاشلة وتحويل أنظمة الحكم فيها الى شئ أقرب ما يكون الى سلطة حكم شبيهة بالسلطة الفلسطينية تستمد قوتها وشرعيتها من أعدائها أو من خارج حدود الأوطان التي يحكمون .
     إن أي مراقب لتطور الأمور في دول العالم العربي خلال العقدين الأخيرين يلمس بشكل واضح مسعى دولي واقليمي وعربي يهدف و لأسباب مختلفة إلى اضعاف الدولة القطرية العربية وكذلك اضعاف الأنظمة العربية المعنية وازدياد اعتمادها على قوى خارجية والى الحد الذي يجعلها رهينة لتلك المعادلة ويحوّل  كل منها الى سلطة حكم لدولة متداعية أو فاشلة أكثر منها نظام حكم  لدولة قائمة . ان انحدار بعض الأنظمة العربية الى سلطات محلية باستثناء بعض الدول مثل مصر و السعودية ، يعني انحدار دولها الوطنية الى دول فاشلة بالمفهوم الدولي . وهذا الوضع يؤهل دولاً مثل “اسرائيل” وتركيا وايران لتولي موقع القيادة الاقليمية سياسياً وعسكرياً و أمنياً واقتصادياً . وهذا الوضع فيما لو حصل أو عندما يحصل سوف يؤهل تلك القوى الاقليمية لإعادة صنع تاريخ المنطقة وربما إعادة كتابته ، خصوصاً في الحالة الاسرائيلية ، بما يتناسب  ورؤيتها ومصالحها  .
     ما هو الحل ؟ الحل على ما يبدو أصبح مرتبطاً بالمجهول كون الأنظمة الحاكمة أصبحت أكثر استعداداً للمقامرة  بمستقبل البلاد التي يحكمون مقابل البقاء في الحكم ، حتى لو تطلب الأمر بيع أنفسهم و أوطانهم للآخرين وتحولهم بالتالي من أنظمة حكم الى سلطات حكم تابعة لهذه الجهة أو تلك ومن دول قائمة إلى دول فاشلة .
     الشعوب الناهضة هي الأمل الوحيد في التغيير و في فرض واقع التغيير على أنظمتها خصوصًا إذا ما ارتبط الفعل السياسي بالواقع الحياتي المرّ و الاقتصادي المنهار نتيجة استفحال عوامل الفساد لتلك الأنظمة المستبدة . إستجداء الحكام لن يجدي و لن يؤدي الى أي تغيير ايجابي حقيقي ، وعلى الشعوب أن تمتلك ما يلزم من الشجاعة و الاقدام على فرض التغيير دون أن يعني ذلك تدمير أوطانهم لأن الأوطان هي ملك للشعوب وليس للأنظمة الحاكمة .
تابعو الأردن 24 على google news
هل يستسلم العرب لواقعهم البائس المرير ولكل ما هم فيه من أمراض وشطط سياسي و اقتصادي واصرار على الانتحار التدريجي للدولة ، وإختيار الأسوأ لولاية الأمر والشأن العام ؟ هل الانهيار الداخلي لكل دولة عربية والذي وصل الى حد التمزيق الذاتي والاضمحلال المؤسسي المتواصل أمر طبيعي في سياق تاريخ الأمم صغرت أم كبرت ؟؟

أين ذهبت المشاعر النابضة والعواطف الجياشة وكل تلك الآمال و الأحلام العريضة التي رافقت حقبة النهوض القومي للعرب في خمسينيات القرن الماضي ، والتزامها الشامل بقضية فلسطين باعتبارها قضية العرب الأولى ؟؟ هل أصبح العرب و أوطانهم رجل العالم المريض الذي ينتظر من يرثه أو من يواريه الثرى ؟

السعي نحو الأفضل هو مسعىً طبيعي لكل الشعوب الحية ، وهو ليس أمراً مستحيلاً كما يبدوعليه الوضع في الحالة العربية التي تعكس ضعفاً ذاتياً وخللاً بنيوياً ناجماً عن عقود من الممارسات السيئة والمستبدة للأنظمة الحاكمة ، واستسلاماً خانعاً عجيباً للشعوب المحكومة . الشعوب العربية بشكل عام بلغ فيها الاستسلام للحاكم حداً فاق حدود المنطق وجعل من مطالب الاصلاح والتغيير مهما تواضعت أمراً يستوجب من تلك الشعوب أن تستأذن حكامها وتلتمس موافقتهم وقبولهم . منطق عجيب لشعوب خانعة لدرجة انها نسيت او تناست أن فاقد الشئ لا يعطيه و أن الحاكم هو جزءٌ من المشكلة وليس جزأً من الحل .

الأنظمة الحاكمة هي في العادة أساس الخراب وبالتالي فهي لن تكون قابلة أو راغبة في الاصلاح والتغيير لأن تلك المطالب سوف تَمَسّ مصالحها إن لم يكن وجودها نفسه . ولكن ما يجري يعكس في عموميته حالة الفوضى واللامنطق والضعف والتشتت التي تسود المنطقة العربية . فالتغيير أصبح مرتبطاً في معظم الحالات بالفوضى نظراً لرفضه كمطلب من قبل النظام الحاكم وأعوانه . وهكذا ، يترنح العالم العربي الآن بين الاستسلام القهري لواقع الاستبداد والفساد أو السعي نحو التغيير الحقيقي والمرتبط غالباً بالفوضى الناجمة عن غياب برنامج العمل أو التنظيم القائد لمسيرة التغيير .

إن إختزال المصالح الوطنية للدولة العربية المعاصرة بمصلحة النظام الحاكم حصراً وضمن رؤيته الذاتية ، والتعبير عنها بشكل مزاجي أو مصلحي من قبل الحاكم العربي الفرد ، قد أدى الى اضعاف الدولة الوطنية ومؤسساتها وحوَّلها تدريجياً الى إمتداد للنظام الحاكم و أحد تجلياته الخاضعة تماماً لمصالحه الأنانية ورؤيته الذاتية . ومع استمرار هذه الحاله ، فإن هيكلية الدولة ومؤسساتها سوف يصيبها الوهن والضعف الناتج عن الافتقار الى المبادرة الذاتية وقلة الانجاز أو محدوديته ،واعتمادها بشكل كامل على ما يردها من أوامر أو تعليمات من الحاكم حتى تعرف ماذا تفعل و أين تقف .

هذا الأمر لم يعد محصوراً بالمؤسسات السيادية والمتعلقة عادة بالقضايا العسكرية و الأمنية والسياسة الخارجية و الاقتصادية ، بل استفحلت وصاية الحاكم العربي على دولته بحيث أصبحت تغطي تقريباً كافة أوجه الحياة ، مما حَوَّل الدول العربية المعنية الى ظلٍ للحاكم . وما جرى في ليبيا واليمن ومصر وسوريا في حقبة الربيع العربي ويجري الآن في دول عربية أخرى مثل تونس والسودان انما هي أمثلة على ذلك حين يؤدي سقوط النظام الى سقوط الدولة المعنية وتصنيفها كدولة فاشلة ، أو استمرار وتنامي واستفحال تسلط الحاكم واستبداده الى التعجيل بإنهيار مؤسسات الدولة .

من المؤسف أن العالم العربي بواقعه الحالي المهلهل والمتراجع الى أدنى مراتب التصنيف الدولي هو بانتظار إما من ينقذه أو من يَرِثهُ ويستحوذ عليه أو على أجزاء منه . قائمة الدول الاقليمية المهتمة واضحة وهي تشمل بشكل أساسي اسرائيل وايران وتركيا .

لا يوجد بين العرب من هو قادر على وراثة هذا العالم العربي المريض أو راغبٌ بإنقاذه أو قادرٌ على ذلك . فالعدو الأكبر للعروبة و التلاقي العربي هم حكام العرب أنفسهم . فالعروبة بطبيعتها وحدوية ومنظورها التكاملي هو العدو الأكبر للأنظمة العربية التي يسعى كل منها الى الانفراد بالدولة التي يحكم والاستفراد بها وبمقدراتها بعيداً عن أي مشاركة .

وما أصبحنا نشاهده من إعطاء الأولوية لمشاريع اقليمية تربط بعض الدول العربية بإسرائيل هو تطور ملحوظ في السنوات الأخيرة . ومن الملاحظ أن سهولة تطبيق مثل تلك الاتفاقات يعود الى كونها لا تشكل خطراً على انفراد وتفرد الأنظمة العربية المعنية بالسلطة و إن كان يعني في الواقع التآكل التدريجي لسيادة الدولة دون المساس بالضرورة بالأنظمة الحاكمة و الملتزمة بذلك المسار التطبيعي .

ان ضعف الدولة القطرية العربية وعملية اضعاف العروبة كإنتماء وعقيدة قومية ملزمة قد فتح المجال أمام أعداء العرب للعمل على تحويل الدول العربية تدريجياً الى دول فاشلة وتحويل أنظمة الحكم فيها الى شئ أقرب ما يكون الى سلطة حكم شبيهة بالسلطة الفلسطينية تستمد قوتها وشرعيتها من أعدائها أو من خارج حدود الأوطان التي يحكمون .

إن أي مراقب لتطور الأمور في دول العالم العربي خلال العقدين الأخيرين يلمس بشكل واضح مسعى دولي واقليمي وعربي يهدف و لأسباب مختلفة إلى اضعاف الدولة القطرية العربية وكذلك اضعاف الأنظمة العربية المعنية وازدياد اعتمادها على قوى خارجية والى الحد الذي يجعلها رهينة لتلك المعادلة ويحوّل كل منها الى سلطة حكم لدولة متداعية أو فاشلة أكثر منها نظام حكم لدولة قائمة . ان انحدار بعض الأنظمة العربية الى سلطات محلية باستثناء بعض الدول مثل مصر و السعودية ، يعني انحدار دولها الوطنية الى دول فاشلة بالمفهوم الدولي . وهذا الوضع يؤهل دولاً مثل “اسرائيل” وتركيا وايران لتولي موقع القيادة الاقليمية سياسياً وعسكرياً و أمنياً واقتصادياً . وهذا الوضع فيما لو حصل أو عندما يحصل سوف يؤهل تلك القوى الاقليمية لإعادة صنع تاريخ المنطقة وربما إعادة كتابته ، خصوصاً في الحالة الاسرائيلية ، بما يتناسب ورؤيتها ومصالحها .

ما هو الحل ؟ الحل على ما يبدو أصبح مرتبطاً بالمجهول كون الأنظمة الحاكمة أصبحت أكثر استعداداً للمقامرة بمستقبل البلاد التي يحكمون مقابل البقاء في الحكم ، حتى لو تطلب الأمر بيع أنفسهم و أوطانهم للآخرين وتحولهم بالتالي من أنظمة حكم الى سلطات حكم تابعة لهذه الجهة أو تلك ومن دول قائمة إلى دول فاشلة .

الشعوب الناهضة هي الأمل الوحيد في التغيير و في فرض واقع التغيير على أنظمتها خصوصًا إذا ما ارتبط الفعل السياسي بالواقع الحياتي المرّ و الاقتصادي المنهار نتيجة استفحال عوامل الفساد لتلك الأنظمة المستبدة . إستجداء الحكام لن يجدي و لن يؤدي الى أي تغيير ايجابي حقيقي ، وعلى الشعوب أن تمتلك ما يلزم من الشجاعة و الاقدام على فرض التغيير دون أن يعني ذلك تدمير أوطانهم لأن الأوطان هي ملك للشعوب وليس للأنظمة الحاكمة .

 

 

 

مقالات ذات صلة