تحالف فلسطيني يهودي في مواجهة حكومة المتطرفين؟

علاء أبو عامر

حرير- يُنظر إلى حكومة الاحتلال الصهيوني الجديدة، صهيونياً وغربياً، على أنّها أكثر حكومة متطرفة في تاريخ الدولة الصهيونية منذ عام 1948، إذ أفصحت عن نواياها وممارساتها المقبلة في ما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني، منها السعي إلى توسيع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية، التي تُعدُّ مستوطناتٍ غير قانونية بموجب القانون الدولي. كما أشار المبدأ التوجيهي الأول للحكومة الجديدة إلى الحقوق القومية اليهودية “في جميع أنحاء ما تسمّى أرض إسرائيل”، بما في ذلك الضفة الغربية والقدس الشرقية. وقد طالب بعض أقطاب الحكومة بإسقاط السلطة الوطنية الفلسطينية أو تحديد وظيفتها، من خلال تصريحاتٍ علنيةٍ تحمل تهديداتٍ مباشرةٍ وصريحة، عن نيّتها إنهاء الكيانية الفلسطينية في الداخل الفلسطيني المحتل، إذا ما عادت السياسة ومارستها، فوظيفتها، بحسب وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، هي حماية أمن دولة إسرائيل فقط.

دقّت هذه التصريحات ناقوس الخطر في الأوساط الرسمية الفلسطينية التي امتلكت، منذ توقيع اتفاق إعلان المبادئ في أوسلو عام 1993، هامشاً سياسياً كبيراً في ملاحقة إسرائيل قانونياً وسياسياً ودبلوماسياً، وحققت “انتصارات” معنوية وقانونية ذات قيمة. ومع أنها بقيت حبراً على ورق، بفعل الانحياز الأميركي الغربي التلقائي الداعم للصهاينة ومشروعهم في المنطقة العربية، إلا أنها تعدّ تذكيرًا للعالم بالحق الفلسطيني وعدالة القضية الفلسطينية، فأخيرا أثار مشروع إصدار فتوى قانونية من محكمة العدل الدولية المقدّم للجمعية العامة للأمم المتحدة، و‏‏الذي يلتمسُ رأيًا قانونيًا يصفُ طبيعة الوضع القانوني الدولي للضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس‏،‏ ‏حفيظة الصهاينة، لما ينطوي عليه من أبعاد دولية من وجهة نظر القانون الدولي، ملزمة أخلاقيًا لجميع الدول. في الواقع، لم تكن تلك الاحتجاجات والغضب الصهيوني منعزلين عما سبقهما، إذ كانت قوى اليمين الصهيوني، ممثلة بالوزير السابق أفيغدور ليبرمان، قد وصفت النضال الفلسطيني الرسمي في المحافل الدولية بالإرهاب الدبلوماسي.

وتسابق السلطة الفلسطينية الزمان عربياً وعالمياً، وعبر تنسيقٍ بمستوى ما، مع معارضي سياسة حكومة نتنياهو الجديدة من الأحزاب العربية في الداخل المحتل، وبعض من قوى تحالف المعارضة، من أمثال غانتس – لبيد في محاولة منها للتخفيف من وطأة ما ينتظر الشعب الفلسطيني من خطواتٍ تصعيديةٍ ستقود إلى صداماتٍ واسعة، قد تصل، وفق أغلب المراقبين، بمن فيهم وزير الحرب الإسرائيلي السابق، بيني غانتس، إلى انتفاضة ثالثة ستشمل كل فلسطين التاريخية، وهي الخشية التي تشاطرها الإدارة الأميركية أيضًا. وكان التوجه الفلسطيني -الأردني أخيرا في مجلس الأمن محاولةً لاطلاع أعضائه على الخروق الصهيونية في المسجد الأقصى ومحيطه، وتذكير العالم بمسؤولياته، وهذا على ما يبدو أقصى ما يمكن أن يفعله الجانبان، الفلسطيني والأردني، من إجراءات في مواجهة التطرف الصهيوني من حكومة المستوطنين الإحلاليين بقيادة نتنياهو.

هذه الخطوات الدبلوماسية الفلسطينية من الناحية القانونية مفيدة إعلاميًا لاستثارة دول العالم والرأي العام الدولي، وهي ذات تأثير آني ضعيف، لكنها مهمة على المدى البعيد، أي في مجرى عملية التراكم النضالي والفوز بالنقاط، إلّا أنّ الدبلوماسية وحدها غير قادرة على إيقاف المواجهة الفلسطينية المقبلة مع عتاة المستوطنين الذين أصبحوا قادة الدولة الصهيونية بحكم القانون والديمقراطية الزائفة، وفي ظلهم وقيادتهم المتطرّفة في مواقفها وأيديولوجياتها، ستنفتح المواجهات على مصراعيها ليس فقط في مواجهة سكان البلاد الأصليين من الفلسطينيين الذين بلغ عددهم في كامل فلسطين التاريخية هذا العام أكثر من سبعة ملايين نسمة، بل في مواجهة الإسرائيليين المصنفين ليبراليين وعلمانيين وإصلاحيين وغيرهم.

صعدت إلى السطح في الآونة الأخيرة تصريحاتٌ غاضبةٌ من أركان المعارضة اليمينية العلمانية الصهيونية، أبرزها تصريحات غانتس ويئير لبيد الداعية إلى إسقاط الحكومة بسبب مشاريعها الخاصة بالقضاء الصهيوني ومناهج التعليم. ووصفت تصريحات للحكومة الحالية بالفاشية والنازية وحكومة المجرمين، وانطلقت في الأيام الماضية تظاهرات في القدس وحيفا وتل أبيب، شارك فيها عشرات الآلاف من المحتجّين. كما أدى تشكيل الحكومة إلى استقالة عدد من الضباط احتجاجاً على برامجها المعلنة بحسب تصريح موشيه (بوغي) يعلون، وهناك دعوات لمقاطعة التلاميذ للمدارس وإعلان العصيان المدني. يراقب الفلسطينيون هذه التطورات الكبيرة بترقب، وهناك دعوات خيالية من بعض النخب الفلسطينية للمشاركة في الجهود الرامية لإسقاط الحكومة الحالية ودعم المعارضة، لكن السؤال هنا: ماذا بعد إسقاطها؟ وهل الأحزاب المعارضة أقل صهيونيةً وتطرفاً؟ وهل بينها حزب واحد يدعو إلى إنصاف الفلسطينيين ومنحهم حقوقهم بأي شكل في دولة واحدة أو دولتين؟

هذا الصراع داخلي قديم على هوية الدولة الصهيونية بين العلمانيين والمتدينين، وهو مستعر، كان مستتراً على مدى السبعين سنة الماضية، فرغم إقرار قانون القومية، إلا أن تعريف من هو اليهودي ما زال لا يملك إجابةً. أما ما يجمع هؤلاء الإسرائيليين فهو قهر الشعب الفلسطيني واحتلال أرضه واستمرار التنكّر لحقوقه. لذلك تبدو الدعوات إلى المشاركة الفلسطينية في إسقاط الحكومة طوباوية من بعض فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة، بل إنها تصبّ في مصلحة نتنياهو وحكومته، فقد يستغلّ أي حدثٍ لحرف الأنظار عن الصراع الداخلي وتوجيهه صوب الشعب الفلسطيني، لأنّه العدو المشترك لكلّ الصهاينة ونقطة الإجماع لديهم. هذا لا يعني، بالطبع، أن فلسطينيي الداخل المحتل غير مطالبين بالنضال مع القوى المناهضة للحكومة، فهم مواطنون في الدولة الصهيونية، ولهم ممثلون في الكنيست. ولا يعني أن يتوقف النضال ضد المشروع الصهيوني بغض النظر عمن يقوده؛ ديني أم علماني، على العكس يجب تصعيده بصرف النظر عن المستفيد منه صهيونيًا، بل إن وجود حكومة دينية صهيونية متطرّفة تخدم الشعب الفلسطيني عالمياً، من خلال إظهار الوجه البشع للصهيونية.

ربما لو كان الهدف الفلسطيني دولة واحدة لا دولتين، لاختلف الموقف وكانت تلك فرصة نادرة لإحداث تحوّل جذري في مجرى الصراع، لكن كل الفصائل الفلسطينية ما زالت تعتقد أنّ حل الدولتين هو الهدف، استناداً إلى مبرّرات واهية كثيرة، أهمها الحفاظ على الاعتراف الدولي والمؤسسات الدولية، متناسين أنّ الصراع كان وما زال على الأرض وحق العودة لا الدولة. مع ذلك، لم يفُت الأوان لإحداث تغيير جذري في صيغة الصراع، لكنه يبدو مستحيلًا في ظل القيادات الحالية، والمستحيل الآني لا يعني أن الأحداث لن تقود إليه مستقبلًا، بل ربما يقود كل ما يحدُث إلى تفكّك الدولة الصهيونية وفق النموذج الجنوب أفريقي.

مقالات ذات صلة