8 آذار : سردية اجتماعية تختزل الظمأ للعدالة

تطول قامة المرأة لمناسبة الثامن من آذار، ذرى نوعية سنويا، بفضل تجذّر الوعي العام بحقيقة أن سردية العدالة كمبتغى انساني لا تتسق الا باطلاق طاقات المجتمع وتحريره، وهو ما يعني عملية تاريخية معقدة.

وشهد الأردن تطوراً هائلاً في العقود القليلة الماضية في مجال تعليم الإناث وتحقيق المساواة بين الجنسين، كأبرز مؤشرات المساواة بين الرجال والنساء نحو تنمية مجتمعية مستدامة . بيانات الجولة الرابعة من مسح العمالة والبطالة لعام 2018 الذي اجرته دائرة الاحصاءات العامة تشير إلى أن نسبة الأمية بين الإناث الأردنيات اللاتي أعمارهن 15 سنة فأكثر بلغت 6.8%، في حين بلغت نسبة الإناث المتعلمات لنفس الفئة العمرية 93.2%.

وعلى صعيد التعليم العالي، سجلت نسبة التحاق الاناث في الجامعات الاردنية 51.6% مقابل 48.4% للذكور عام 2016. وأظهرت البيانات ان 25 بالمئة من مجموع أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الأردنية من الإناث.

وبحسب منظمة الأمم المتحدة فإن اليوم العالمي للمرأة الذي جاء هذا العام تحت شعار: “نطمح للمساواة، ونبني بذكاء، ونبدع من أجل التغيير”، يسعى إلى إيجاد طرق ابتكارية تنهض بالمساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة في مختلف مجالات نظم الحماية الاجتماعية وإمكانية الحصول على الخدمات العامة والبنية التحتية المستدامة، كما تعتبر الحلول الإبداعية التي تغير من مسارات العمل التقليدية “محورية” في إزالة مختلف الحواجز البنيوية تجاه المرأة وضمان عدم استثنائها .

ويعد نجاح المرأة في الوصول للمواقع القيادية ومساهمتها الفعالة في الحياة العامة ومؤسسات المجتمع المدني من أهم مظاهر العدالة بين الجنسين .

فعلى صعيد المشاركة في الحياة العامة، أشارت ارقام دائرة الاحصاءات العامة لعام 2016 بأن واحدا من بين كل خمسة أعضاء في السلك الدبلوماسي والقضائي هي انثى ، وواحدا من بين كل ثلاثة اعضاء في الأحزاب السياسية هي انثى ايضاً، كما شكلت نسبة السفيرات 11.1% من اجمالي السفراء في عام 2016 ، أي ان هنالك سفيرة واحدة من بين كل تسعة سفراء تم تعيينهم.

وتعتبر رئيسة إتحاد المرأة الأردنية آمنة الزعبي، أن الاحتفال بهذا اليوم هو فرصة لاستذكار وتقييم عمل النساء تجاه الشراكة الحقيقية والتقدم والمساواة، وللتأكيد على أن المرأة الأردنية ما زالت مستمرة بعملها ونضالها لتحقيق المزيد من الانجازات والمكتسبات سواء على صعيد بناء الوطن أو حصولها على حقوقها كاملة.

وقالت إن هذا اليوم هو فرصة للتوقف أمام واقع المرأة الأردنية بمختلف الجوانب، فبالرغم من الجهود المبذولة في تحقيق المساواة والعدالة تجاه المرأة، إلا أن واقع الحال يؤكد الحاجة لوقفة تقييمية شاملة، ولا سيما في التشريعات الأردنية الناظمة لعمل المرأة وتمكينها، حيث لا زال هناك العديد من الحقوق المحجوبة عن المرأة لكي تستمر في العمل والانجاز والعطاء.

واضافت ان المرأة الأردنية حققت الانجازات الأكبر في مجالات التربية والتعليم ، والتعليم العالي ووصولها الى مراتب المشاركة في العمل العام، سواء في العمل الحزبي أو المجتمعي.

ودعت إلى تعديل التشريعات والقوانين بما يضمن للمرأة التقدم والعمل واستمرار الحوار مع صناع القرار وسد الفجوات من أجل ضمان تقدم ورفعة الوطن، وتسليط الضوء على منجزاتها، وإيجاد الحوافز الإجتماعية والسياسية لتعزيز هذه الانجازات وتشجيعها، فضلاً عن السعي نحو تذليل التحديات التي تعوق تقدمها وقيامها بدورها على أكمل وجه.

العين فداء الحمود قالت ان المرأة الاردنية حققت انجازا ت في مختلف القطاعات الا انها لازالت بحاجة للمزيد ، مشيرة الى ان تمثيلها في المواقع القيادية وفي سوق العمل يعتبر متواضعا.

واشارت الى اهمية مشاركة المرأة في سوق العمل بهدف تمكينها ماليا واجتماعيا وأسريا، للحد من بطالتها بشكل عام وتفعيل دورها في المجتمع وتحقيق استقلاليتها .

وشددت على ضرورة رفع الوعي القانوني للنساء ما يمكنها من الدفاع عن حقوقها كحق مشروع في حماية نفسها لتصل الى الجهات المعنية في حال تعرضها لضرر ما . وقالت ان الاعلام والجامعات والمدارس يلعبون دورا مهما في تعزيز الوعي القانوني للنساء ، مبينة ان المرأة تبذل مجهودا يفوق الرجل عشرة اضعاف للحصول على المناصب القيادية ، ما يشكل خللا بمبدأ المساواة اذا ما قارنا ذلك بحجم الاعباء والمسؤوليات والمواءمة فيما بينها خارج المنزل وداخله في سبيل الحفاظ على مكانتها .

وأشارت الى مبدأ ( الكوتا) المعمول في به في مجالس البلديات والنواب وقالت انها وسيلة لتحقيق المساواة ، داعية الى اختيار المرأة وفقا لمقدرتها وكفاءتها لا لجنسها كأنثى . الباحثة في قضايا الجندر والتمكين الاقتصادي والسياسي للمرأة الدكتورة لينا الجزراوي قالت لا ننكر ان هناك انجازات للمرأة حتى وهي في بيتها . واشارت الى ان الثقافة النمطية السائدة عند البعض حول حقوق المرأة وواجباتها هي من ابرز المعيقات التي تواجه النساء في مجتمعنا ، مشيرة الى ان البعض يحدد للمرأة عملها في قطاعات معينة ويمنع عليها العمل في قطاعات اخرى .

وشددت على انه حتى يتحقق التغيير بشكل ملموس لا بد ان يُدرس في المناهج المدرسية والجامعة مواد تحث على المساواة بين الجنسين ، مشيرة الى اهمية الاشارة الى ان فكرة الشراكة بين الازواج تعتمد على طرفين وبالتساوي .

وقالت ان تشكيل الهوية الجندرية امر في غاية الاهمية ، يبدأ من تدريس مادة النوع الاجتماعي لكي يرى الطفل في المناهج المرأة في كل المواقع وليس في البيت فقط ،داعية المرأة اولا لان تثق بكفاءتها وقدرتها على التغيير .

وأكدت على ان الجيل الذي يحمل الثقافة التقليدية صعب تغييره ، مشيرة الى ان الحل يكون ببناء عقل جديد يؤمن بحقوق المرأة والمساوة بين الجنسين .

الخبيرة التربية الدكتورة منى مؤتمن، قالت ان تمكين المرأة هو شرط مسبق لتحقيق اهداف التنمية المستدامة ، داعية الى تمكينها في مختلف المجالات القانونية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية .

واضافت ان التمكين القانوني للمرأة بمعرفة حقوقها وواجباتها وتمكينها معرفيا يجعلها قادرة على احداث التغيير منسجما ذلك مع الشعار العالمي لليوم العالمي للمرأة وبينت ان التمكين الاجتماعي الذي يقع تحت مظلة التعليم والصحة والبيئة والتعليم وحمايتها من العنف هي بمثابة حاجات اساسية لا بد من تأمينها.

اما فيما يتعلق بالتمكين السياسي والاقتصادي اشارت الدكتورة مؤتمن الى اهمية مشاركة المرأة في الحياة العامة وبالمجالس والهيئات المنتخبة ، وتلك المعنية برفع مشاركتها في سوق العمل بمختلف قطاعاته . وشددت على ضرورة التصدي للتمييز وعدم المساواة ، لتحقيق الامن الانساني وحقوق الانسان وبخاصة النساء والفتيات لحمايتهن من اي عنف يمارس عليهن داخل الاسرة او خارجها . ودعت الى ضمان حق المرأة في الوصول الى العدالة وتوفير الخدمات الاجتماعية والنفسية والمساعدة القانونية وادماج قضايا الفتيات والنساء في اطار اهداف التنمية المستدامة على الصعيدين الوطني والاقليمي . وقالت ان من القضايا التي تخص الانتاج المعرفي وادارته لا بد من رفع مستوى رسم السياسات واتخاذ القرارات وبناء الراي العام المستند للمرجعيات العلمية .

كما دعت الى التطوير المؤسسي للجمعيات والمنظمات المعنية بحقوق النساء والفتيات في ضوء المعايير الدولية .

اما في الجانب الابتكاري لفتت الى اهمية تعزيز النظم الابتكارية لتكون اكثر شمولية تزدهر فيها جهود المرأة والرجل معا للابداع والابتكار ، اذ يعني ذلك بادماج النوع الاجتماعي والاهتمام به بشكل اوسع . واضافت مؤتمن انه لا بد من تعزيز الاستراتيجيات والخطط والبرامج والموازنات الرقابية المتعلقة بالانتخابات بتمكين المرأة ودورها سواء كانت منتخبة او مرشحة . مستشارة سياسات العدالة الاقتصادية في منظمة اوكسفام غادة سالم قالت ان النظرة لا تزال منقوصة للنوع الاجتماعي في ظل السعي نحو تمكين المراة اقتصاديا واجتماعيا ومشاركتها للرجل في عدد من المجالات . واوضحت ان دور الاعلام لا زال يراوح مكانه في تغيير هذه الصورة ناهيك عن الانظمة القانونية وسياسات التمكين .

واضافت انه بالرغم من وجود قنوات رسمية تمكن المرأة من الحصول على المساواة الشاملة ، الا ان هناك قنوات غير رسمية ( اجتماعية ) يسيطر عليها الذكور ، وتلعب دورا في تحقيق المنافع والمصالح والمحسوبيات على حساب كفاءة وجدارة المرأة ما يؤدي الى الفساد الاداري وهو الاصعب – حسب تعبيرها – اذ يمهد للفساد المالي .

ودعت الى بناء الوعي بالتركيز على الاعلام ودوره الاساسي في تغيير النظرة النمطية للمرأة وترجمة السياسات والقوانين ما يسهل وصولها الى مراكز متقدمة تستحقها المرأة عن جدارة . ودعت النساء الى زيادة وعيهن بحقوقهن المدنية وبناء قدراتهن وتقديم التسهيلات المالية الاستثمارية لتأسيس مشاريع خاصة بهن والتوسع فيها ومشاركتها الاقتصادية في المجتمع .

ودعت البنك المركزي الى مراجعة سياسات البنوك المتعلقة بالكفالات باعتبارها اعلى للنساء من الذكور ، وتحد ايضا من قدراتها الاستثمارية.

–(بترا)

مقالات ذات صلة