لا تداعبوا الجرح بسكين.. احمد حسن الزعبي

قبل شهر تقريباً امتلأت جسور عمّان وشوارعها بلافتات تدين التحرّش الجنسي وتنصح بالإبلاغ عنه وفضحه وعدم السكوت عليه ..وسبقها بأيام قليلاً حملة لا تقل ضخامة وشراسة احتلت جميع أعمدة الكهرباء في العاصمة والمداخل الرئيسة للمحافظات بلافتات فاخرة حول منصّة “حقّك تعرف” في محاولة لتسويق فكرة غير مقنعة للناس الذين يعرفون دون أن يحاول كائن من كان أن يزيح المعرفة أو يجمّلها ..بالمناسبة من حقّنا نعرف كم كلّفت خزينة الدولة وكم أنفق على هذه الحملة من أموالنا وضرائبنا وفرق محروقاتنا وأسعار خبزنا..
في ظل هذين الترفين “الشوارعيين” المبالغ بهما ..تعجز الحكومة عن حماية شرطي سير يوم الخميس الماضي يقف على دوار المشاعل ينتفض برداً ويتلقى شلالات المطر فوق رأسه دون أن يجد مظلة مناسبة تحميه أو “كوخاً” أمنياً آمناً يؤويه أثناء اشتداد الريح وتساقط الأمطار، وغير هذا الشرطي العشرات يؤدون واجبهم بنفس الظروف ..سخيّون جداً في الكلام ، بخيلون جداً في الأفعال ، سخيّون جداً بحرير المظاهر ، بخيلون جداً بعدد أرغفة الفقراء الجوعى …ألاف اللافتات التي عبثت بها الريح ورمتها تحت أرجل المارة وبين مكانس عمال الوطن كلّفت مئات الآلاف من الدنانير..بينما تقطع الحكومة يدها وتشحد عليها ، عندما يتعلّق الأمر بمظّلة محترمة تحمي رجل الأمن ورجل السير الذي هيبته مقرونة بهيبة الدولة وتتركه يتلّقى وجبات الماء المخلوط بالطين في ظروف قاسية وساعات ليل موحشة…

لافتات “التحرش” و”حقك تعرف”..تكلف مئات الآلاف ، بينما عائلة الخالدية التي تسكن بخربوش وتداهمها مياه الأمطار والسيول تعيش في وضع مأساوي لا يصدّق أنه في الأردن وعلى أرض الأردنيين ، عائلة مكونة من ثمانية أفراد ترتجف برداً و لم تتناول الطعام منذ يومين ، الأطفال يعانون من سوء تغذية والأب مسن لا يقدر على العمل.. لا يهمني أن كانوا يحملون الجنسية الأردنية أم لا ، أكثر ما يهمني أنهم يعيشون على أرض أردنية وتجمعني بهم إنسانية الإنسان..

“حقّك تعرف” يا دولة الرئيس أن هناك ألآف العائلات تعاني ما تعانيه هذه الأسرة التي كشفت صمتها المياه ، هناك ألاف الأسر لا تجد ثمن تدفئة الليلة ،
“حقّك تعرف” أنك عندما تثبت سعار الكاز في الوقت الذي يجب الا يزيد ثمن تنكة الكاز عن 6 دنانير..أن ألاف الأطفال لن يغفروا هذا القرار..ألاف الأطفال ينامون كما تنام عائلة “الخالدية”..
“حقّك تعرف” عندما تغادرون كراسيكم يوماً ما…أننا لن نسامحكم في حقوقنا وإنسانيتنا وكرامتنا…أتخِمنا أحلام فارغة ، أتخِمنا كلام ووعود ،
أرجوكم لا تداعبوا الجرح بسكين..فلا نقوى على الوجع مرتين!!

مقالات ذات صلة