الكساد يغلق محل “الدباس” الشهير

يتطاير شرر الازمة الاقتصادية في كل الاتجاهات، فيهدد قرنا من ذاكرة عمان ويافا، باغلاق وشيك لمحل “الكلف والازرار” الشهير بوسط البلد بفعل الكساد الذي يضرب السوق بعنف.

على الناصية اليمنى لشارع الامير محمد، يلملم اصحاب محل “الكلف والازرار” اشلاء ذاكرة المدينة، لينسحبوا بهدوء تحت سوط الازمة الاقتصادية، فيلجأوا الى البيع عبر الفضاء الالكتروني “علّ الامور تعتدل ولو بعد حين”. العد التنازلي لإغلاق (محلات دباس) المحل التاريخي التراثي العريق، تطرق بقوة، اذ لم يتبق سوى أيام معدودة على إغلاقه، بعد قرار محكمة التمييز بإخلائه، وسداد مبلغ يزيد عن مائة ألف دينار، والامر منوط بتبعات قانون المالكين والمستأجرين.

فلا عمّاني ولا راجل في شارع الامير محمد لا يعرف محل دباس الذي يقابل مبنى البريد الأردني بوسط البلد، في جيرة تاريخية حتى غدا تقابلهما صورة متلازمة لهوية المكان، اذ هو أكثر المحلات جذبا للمتسوقات، بفضل معروضاته التي تسحر أعين الناظرين ببريق ورونق اكسسواراته. قرار الاغلاق كان نتيجة تعديلات قانون المالكين والمستأجرين في رفع قيمة الإيجار، بعد أن كان ثلاثة الآف دينار سنويا ليصبح 18 ألفا، بحسب سامية دباس، زوجة المرحوم حنا أنضولي الذي أسس أبوه وعمه المحل في يافا في العام 1920 لينتقل بالنكبة الى عمان.

تقول دباس ان تعديلات القانون عصفت باستقرار المحل وسط ازمة اقتصادية عميقة، لافة الى انحسار عدد موظفي المحل من ستة الى واحد. بين الساعة العاشرة صباحا والثانية ظهرا لم يدلف بوابة المحل سوى متسوقين اثنين، في حالة تؤكد كيف ضرب الكساد في السوق الذي كان يغص بالمتسوقين . 71 عاما هي المسافة الزمنية التي كان محل دباس يختال فيها في وسط عمان، بينما هو اليوم يلملم اشلاءه مستسلما لاملاءات الازمة التي تبدو كموج عاصف يسوي بالارض كل ما يعترض مساره. تضيف دباس بأسى: هنا معدات قديمة تؤرشف لذاكرة المحل التي تبدو اليوم نهبا لموت حتمي.

“لا يرحم هذا التسونامي، دلالات ومعاني التراث والتقليد اللذين يسحقان اليوم بتغييب حرفة الحياكة والخياطة ومشتقاتهما، كالأزرار والدانتيل والكلف والكروشيه والقصب، فمعدات الخياطة” حسب دباس.

وعند دباس فإنّ “كل زر وتفصيل في المحل يروي قصة قرن شهد ابداعا في صياغة خصوصية لبريق اللون وتلك الدهشة التي تنبعث من ترتيب هذا المزيج من الخيوط والكلف والدانتيل، حتى بدت وكأنها لوحة ساحرة تعبر عن ماض تألّق طويلا بكُلف ودانتيل استورده المحل من قارات العالم، وخصوصا من إيطاليا وفرنسا اللتين تشتهران بدور الموضة وفنونها، الامر الذي جعل المحل مقصدا للفئات الاجتماعية الغنية، خصوصا.

اضافت دباس انه بتراجع القوة الشرائية، صارت المنتجات المستوردة الاقل تكلفة خيار الضرورة للمتسوقين وهو ما اثر بقوة على مكانة المحل الذي انحسرت تبعا لذلك مبيعاته بشدة . لكن دباس تلفت الى أن منتجي الأفلام والمسلسلات التاريخية ما زالوا زبائن يشترون ما يروق لهم من تلك المنتوجات القديمة، عدا عن أولئك الذين اتخذوا من جمع الأزرار هواية لهم، إذ أن لكل زر قيمة خاصة بحسب جودته وتاريخه ومكان صنعه.

فكتوريا، ثمانينية تصر على المرور بالمحل لشراء ولو زر او ما تحتاجه، فلها كما توضح، علاقة خاصة مع المحل منذ عقود، وهي تقتنع انها لا تجد ما تريد الا في محل دباس، الذي يمثل لها قيمة وذاكرة كانت ذات زمان تفاخر بقطع اكسسوارات أزيائها التي تحرص على اقتنائها من دباس.

فكتوريا، وما إن تلقت خبر الاغلاق الوشيك للمحل، حتى بدت على محياها سيماء الحزن، فتتساءل : من أين سأشتري الأزرار ومن أين سأحصل على الدانتيل والكلف وباقي مستلزماتي؟!”اما تعديل قانون المالكين والمستأجرين لسنة 2013 فينص على انه “مع مراعاة الزيادات القانونية التي طرأت على بدلات الايجار للعقارات المؤجرة قبل 31 آب 2000 بموجب التشريعات السابقة على نفاذ احكام هذا القانون او بالاتفاق فيما بين المالك والمستأجر، يضاف الى بدلات الايجار لجميع تلك العقود المؤجرة منها لغايات السكن ام لغايات اخرى زيادة نسبية عادلة يحددها مجلس الوزراء عند نفاذ احكام هذا القانون وفق نظام يصدر لهذه الغاية على ان تكون هذه الزيادة محققة للعدالة والسلم الاجتماعي في مختلف مناطق المملكة او اي جزء منها”.

تختتم سامية دباس قائلة: جفاف لغة القانون وكأنّما تعبر عن مرحلة الزوال، اقصد محو الذاكرة التي تبدو الضحية الكبرى لقسوة الازمة التي اخذت في طريقها الاف المحلات التي قد تكون شبيهة بمحلنا هذا “.

–(بترا)

مقالات ذات صلة