هذه الحملة العنصرية الممنهجة ضد مونديال قطر

ماجد عزام

حرير- يبدو أن حفل الافتتاح الجميل والمعبّر لمونديال قطر 2022 والأجواء الرائعة التي ترافق فعالياته ويومياته وتفاعل المشجّعين والجمهور معها لم تقنع أو ترض، وللدقة لم توقف المنتقدين، ومن وقفوا خلف الحملة العنصرية الممنهجة ضد استضافة قطر المونديال، فلجأوا إلى طريق التفافي، في ما يشبه الهروب إلى الأمام، عبر تضخيم ملفات وقضايا هامشية، بعد التشكيك أولاً في الاستضافة نفسها، ثم قدرة قطر على تنظيم مونديال رائع وتاريخي، حسب تعبير رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، جياني إنفانتينو.

منذ نيلها شرف تنظيم المونديال، تعرّضت قطر لحملة عنصرية ممنهجة، كونها أول دولة عربية وإسلامية تنال هذا الشرف الذي رأى العنصريون أنه لا يجب أن يُعطى لدولة عربية إسلامية، ولا بد أن يظل محصوراً في أوروبا (11 بطولة) وأميركا اللاتينية (تسع بطولات) ثم أميركا الشمالية وآسيا (اليابان وكوريا الجنوبية)، مع اعتبار جنوب أفريقيا مجرّد استثناء في هذا الطرح الاستعلائي.

بعد ذلك، جرى التشكيك في كيفية نيل قطر شرف تنظيم المونديال، رغم أن المنافسة كانت محتدمة مع بريطانيا، كما أثبت تحقيق “فيفا” عدم ارتكاب مخالفات جسيمة أو تجاوز الآليات والخطوات مرعية الإجراء وانتهاكها.

مع صعوبة طرح المنطق العنصري بشكل فجّ ومباشر، رغم أن بعضهم فعل ذلك بالطبع، جرى التشكيك في قدرة قطر على القيام بمهمة تنظيم المونديال، كما ينبغي، باعتبارها دولة صغيرة المساحة جغرافياً، وطقسها حار ورطب معظم السنة، ولا تملك البنى التحتية اللازمة للقيام بالمهمة على أكمل وجه أو تاريخ كبير في كرة القدم، في تناقض صارخ مع نيل الولايات المتحدة الشرف مرتين، سابقة ولاحقة، ولا حتى كندا، فلم تتعرّضا للحجج أو الذرائع المماثلة، وبالعكس قيل إن ذلك يساهم في انتشار اللعبة وازدهارها في أجواء وبيئات أخرى.

حتى الفكرة الخلاقة لتنظيم المونديال في الشتاء، والتي تبيّن أنها مناسِبة ومبتكرة، خصوصاً لتزامنها مع توقف البطولات الأوروبية المعتادة نهاية العام أسبوعين (ألمانيا تأخذ شهرا ونصف الشهر تقريباً)، لم توقف الانتقادات المتعلقة بالجو والطقس الحار، رغم أن ذلك يقدّم فرصة لتجربة مختلفة، كما قال الإيطالي فابيو كابيلو، أحد أهم خبراء الكرة حالياً، قبل أن ينال الإرهاق من اللاعبين، خصوصا في الدوريات والبطولات الطويلة والمرهقة.

حصلت كل المعطيات السابقة، رغم سهولة الاطلاع على الملف القطري، وحقيقة أن تنظيم المونديال كان جزءا من مشروع عملاق “رؤية قطر 2030” الذي جرى عبره تخصيص ميزانيات ضخمة للبنى التحتية والخدمات والمرافق بشكل عام، بما فيها الملاعب الرياضية وملحقاتها.

إضافة إلى القاعدة العنصرية المتعالية، ابتُدعت قضايا فرعية، مثل الحريات العامة وحقوق الإنسان والعمّال والنساء والمثليين في قطر. … هنا أمور ومفاهيم يجب أن توضح وتقال، حيث ثمة قوانين معمول بها في البلد لا بد من احترامها قطعاً، علماً أن قطر عضو في الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، وتحترم المواثيق ذات الصلة، كما أنها لاعب عربي إسلامي إقليمي فعّال جدّاً، وساهمت، عبر وساطتها، في إخماد حرائق وحلّ أزمات عديدة إقليمية، وحتى دولية. وقصّة العمال تحديداً تمثل تشويها متعمّدا عن سبق إصرار وترصّد، رغم أن قطر تعاونت مع الأمم المتحدة ومنظمة العمل الدولية والمؤسسات الحقوقية ذات الصلة، وأجرت إصلاحات قانونية وإدارية لتحسين أوضاع العمّال. لا يتعلّق التشويه المتعمّد بالتلاعب بعدد العمّال المتوفين وظروفهم المهنية والمعيشية، وإنما بالتلاعب في الميزانيات التي صرفتها قطر استعداداً للمونديال، والقول إنها صرفت 220 مليار دولار، رغم أن هذا يفترض أن لا يثير غضبهم، لكنه تلميح إلى البذخ والإسراف، وتحريض البيئة العربية والإسلامية ضدها، لا الشعب القطري الذي يملك أصلاً أعلى معدّل دخل للفرد في العالم، مع الانتباه إلى أن هذا الرقم مخصّص لميزانية المشاريع العملاقة كلها لرؤية قطر 2030.

للأسف تم تأجيج العنصرية وتنظيمها من دولة عربية وإسلامية وتمويل وتحريض مراكز دراسات ومواقع إعلامية وصحف يمينية متطرّفة في سياق خلافات سياسية مع قطر، ثم في سياق الحسد والغيرة، بعد نيلها تنظيم المونديال لتكون أول دولة عربية وإسلامية تنال هذا الشرف. وفي السياق، جرى ابتزاز الدوحة في أثناء الأزمة الخليجية قبل سنوات، وقيل لها صراحة إما الانصياع للشروط المجحفة والمهينة وغير المنطقية التي طرحت آنذاك أو نسيان أمر تنظيم المونديال. وهنا يمكن تذكّر أبواق إعلامية تحدثّت بخفة وابتذال وثقة وهمية ومصطنعة عن أن المونديال لن يبصر النور، وأن قطر نفسها لن تكون موجودة في 2022.

زاد التحريض والتشنج، أخيرا، بعد اليقين أن المونديال سيقام في موعده وبعد حفل الافتتاح الرائع. واتضاح أن الذرائع والانتقادات السابقة كانت واهية ومفتعلة، فلجأ أحدهم إلى انتقاد افتتاح المونديال بآيات قرآنية، رغم أن هذا متعارف عليه بالمناسبات الدولية في البلاد العربية والإسلامية، مع اختيار آية قصيرة تشير إلى أننا كلنا أخوة خلقنا من آدم وحواء، والاختلاف اللغوي والعرقي بهدف التلاقي والتفاعل والتعارف بين الشعوب والقبائل.

إلى ذلك، جرت المبالغة في الحديث عن حقوق المثليين وعدم احترام القوانين المحلية في هذا الصدد، مع الانتباه إلى أن المونديال السابق لم يشهد فعاليات وتظاهرات كهذه، ولا رفع علم المثليين من دون أي انتقاد أو تهجّم على روسيا. ولا حتى حديث عن حقوق الإنسان في مونديال 2018 الذى جرى في ذروة الغزو والتدخل الروسي في سورية، وارتكاب جرائم حرب موثقة وفق قاعدة الأرض المحروقة (تم نقلها إلى أوكرانيا)، حسب تقارير الأمم المتحدة ومنظمات أممية مرموقة. وجاءت الاستضافة أساساً لتلميع نظام فلاديمير بوتين والطبقة الرأسمالية الحاكمة المحيطة، وللتغطية على انتهاك الحريات وحقوق الإنسان في بلاده.

في السياق، جاء بيان المنتخبات الأوروبية السبعة هزيلاً، وما فعله منتخب ألمانيا ارتدّ سلباً عليه ليس فقط معنوياً وإعلامياً، وإنما رياضياً أيضاً، مع فقدان أعضائه التركيز وانشغالهم بأمور خارج الملعب، وبالتالي تلقي الخسارة المدويّة أمام اليابان، وتزايد احتمالات مغادرة المونديال عبر الباب الصغير ومن مرحلة دوري المجموعات.

الحديث أيضاً عن المشروبات الروحية مبتذل، وهي مُنعت في محيط الملاعب من أجل السلامة العامة، علماً أن فرنسا نفسها فعلت الشيء نفسه في أثناء فعاليات يورو 2016، حفاظا على سلامة الجماهير بعد أحداث شغب وعنف، من دون أن يثير الأمر اعتراضاتٍ أو ردود أفعال أو حتى اهتماما من أي نوع بالحدث.

في العموم، جاء الافتتاح الرائع والتنظيم الدقيق والأجواء المبهرة والحضور الجماهيري الكبير، ودعم القضية الفلسطينية ورفض التطبيع، والثقافة العربية والإسلامية بكرمها وتسامحها، وحتى الأزمة المصطنعة من منتخبات أوروبية ضد توجيهات “فيفا” وتعليماتها، لتؤكد النجاح الكبير والتاريخي للمونديال، خصوصا في ظل المنافسات القوية بالملاعب، وصعوبة التنبؤ بالبطل أو من سيفوز بالمونديال.

في الأخير وباختصار وتركيز، ربحت قطر الرهان، على عكس ما قيل ويقال ضمن تثبيط الهمم، ولن تكون بالتأكيد الدولة العربية الإسلامية الأولى والأخيرة، ومونديال الدوحة سيشّجع دولا أخرى وإسلامية على نيل هذا الشرف في المستقبل، علماً أن قطر نالت فعلاً شرف تنظيم البطولة الآسيوية لكرة القدم 2023 وتفكّر جدياً في التقدم بطلب نيل شرف تنظيم الألعاب الأولمبية صيف 2032.

مقالات ذات صلة