يا هاشم.. أحمد حسن الزعبي

وأنا أشاهد صورة الطفل الراحل هاشم الكردي مسجّى على السرير تحتّل وجهه الجميل أجهزة التنفّس ، كنت أرى القيم كلّها مسجّاة قربه وقد فارقت الحياة والحياء قبله..

في الطريق ،تتعرّض سيارة والد هاشم الكردي إلى مضايقة من سيارة أخرى تتبع إلى فاردة عرس ، يقف والد هاشم قرب دورية نجدة ودرك يشكو لهم الموقف لم ينصفوه ولم يحموه أيضاَ ، تصطف السيارة التي كانت تضايقه وتصطف سيارات أخريات ودون خوف أو احترام للوجود الأمني ،يبدؤون بتحطيم الزجاج وقذف الحجارة على الرجل وزوجته وطفله داخل السيارة بصورة وحشية وهمجية ، تهشّم رأس هاشم (3 سنوات) ، فقد الوعي وبعد أسبوعين فارق الحياة بما فيها..

فارق هاشم الحياة بقرفها ،وظلمها وغياب عدالتها، فارق هاشم الحياة باستقواء القوي على الضعيف والكثير على القليل،والسلطة على العبيد ، و”التمرجل” على بعضنا البعض ، ترك هاشم الحياة محتفظاً في وجهه ببعض الندب وبعض الجروح التي أحدثته له الدنيا في سنوات قليلة..ماذا نقول نحن يا هاشم..وقد حطّموا أحلامنا، وهشّموا وجه وطننا، ومنعونا أن نتكلم أو نتألم حتى ،ماذا نقول نحن يا هاشم ،وقد شكونا وشكونا والاعتداء تم علينا – مثلك تماماً – أمام من يحموننا ..
ربما تكون أحسن حالاً منا فقد وجدت حضن أمك يحميك قليلاً من سجيل الثأر..نحن لم نجد بعد من يحمينا، نتلقى الضربات على التوالي، ننزف ببطء ونموت ببطء يا هاشم..
في قيمنا الراحلة ، عيب أن يشتبك الرجل مع امرأة حتى لو أخطأت بحقّه فالاستقواء بالعضلات هنا نقص في الرجولة ..والانسحاب بطولة ومروءة ، وفي قيمنا الراحلة أيضاَ عيب أن تعتدي على رجل بحضور عائلته كي لا تخدش صورة الأب أمام أولاده أو أمام زوجته وليبقى بطلاً وسيداً وان كان خصمك ..والانسحاب هنا أيضاً بطولة ومروءة..لكن في حادثة الطفل هاشم الكردي واضح أن المروءة والبطولة والقيم ماتت جميعها بحجر طائش اسمه الأنا العظيمة، الأنا الكبيرة ، الأنا التي لا تهزم ولا تسبق ولا تهان …التي تستأسد على الأعزل وتلعق حذاء الفاسد واللص وسمسار الوطن في آخر النهار..
محظوظ أنت يا هاشم فقد تعرفت على هذه الحياة بـ”كورس” مكثّف ” 3 سنوات” ،على ضياعنا وانحطاط أخلاقنا وانقسامنا وفوضى وجودنا..أما نحن فمتورطون حتى أخمص قدمينا بالخدمة الإجبارية للقهر والاستعباد وغياب الإنسانية والعدالة في كل المستويات حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً..يا هاشم أيها الوطن بكل تفاصيله..أجهزة التنفّس تحتّل وجهك الجميل..والمصحف فوق رأسك في ليلك الطويل…سامحنا على ضعفنا، سامحنا على صمتنا ..أستودعك الله يا وطن..أستودعك الله يا هاشم.

مقالات ذات صلة