
حتى لا يكون الذكاء الاصطناعي بالعربي غبيا!
حسين مجدوبي
حرير- الذكاء الاصطناعي واقع نعيشه ولم يعد جزءا من الخيال العلمي، وبدأ يفرض نفسه على الجميع، ويفرض ضرورة التكيف معه والتعامل معه، غير أن الذكاء الاصطناعي مستويات، خاصة في ارتباطه باللغة، وقد يكرر إن لم يكن قد بدأ، التفاوت الحضاري الذي نتج عن استعمال المطبعة من طرف شعوب دون أخرى خلال القرون الماضية.
في الوقت ذاته، لا يمكن استقبال الذكاء الاصطناعي بنوع من التهويل والتخويف، مثل الروايات التي يتم ترويجها بخطورته على البشرية، ذلك أن تاريخ البشرية أثبت حتى الآن أن التقدم التكنولوجي كان دائما في خدمة الإنسان، وهكذا سيبقى خاصة إذا كان الإنسان واعيا بخدمة الأهداف النبيلة للإنسانية، إذا استثنينا التوظيف السيئ لصناعة الأسلحة وما يترتب عنها من حروب.
وعادة ما يطرح التقدم التكنولوجي مهما كان نوعه، وفي هذه الحالة الذكاء الاصطناعي، تأثيره على مناصب الشغل وعلى الجانب الأخلاقي. نعم، كلما ظهر تقدم تكنولوجي يكون له تأثير على مناصب الشغل، جزء من الناس تفقد مناصب الشغل إذا لم تتكيف، لكن التقدم التكنولوجي يخلق مناصب شغل كثيرة. مثلا، ظهور المطبعة في القرن الخامس عشر على يد غوتنبرغ، أنهى عمل الأشخاص الذين كانوا يستنسخون يدويا الكتب، وكانت مأساة لهم، ولكن المطبعة فتحت فجرا جديدا في تاريخ البشرية بنشر المعرفة عبر طبع الكتب، ولاحقا المجلات والصحف ومختلف المطبوعات، وخلقت عشرات الملايين من المناصب والعشرات من مختلف المهن من الناشر إلى الصحافي إلى صاحب المكتبة. ظهور السيارة أنهى عمل الذين كانوا يعملون في نقل الناس والبضائع بالعربة، التي تجرها الخيول، لكن السيارة خلقت مئات الملايين من مناصب الشغل من إنتاج الحديد المستعمل في صنع السيارة، إلى صنع المحرك ومختلف الآلات التي تدخل في صناعة السيارة إلى التأمين، والمكلف بغسل السيارات واستهلاك النفط وتشييد الطرق، ولنتأمل فقط كيف غير ظهور السيارة الإنسانية والكرة الأرضية على مستوى خريطة الطرق في جميع أنحاء العالم. وبدورها، خلقت الإنترنت مناصب شغل متنوعة تقدر بعشرات الملايين، بل أصبحت شركات مرتبطة بالإنترنت مثل، غوغل وفيسبوك على رأس أكبر الشركات العالمية والأكبر في تاريخ البشرية مثل، آبل وأمازون ومايكروسوفت.
ويبقى الذكاء الاصطناعي ثورة حقيقية منبثقة عن الإنترنت، كما انبثقت عنه شبكات التواصل الاجتماعي، أصبح واقعا في حياتنا، ويكفي أن التلاميذ والطلبة يستخدمونه في دراستهم ويستخدمه الخبراء في بحوثهم، وسيؤثر على الكثير من المهن في شكلها الحالي، وستقدم السنوات المقبلة صورة شبه متكاملة حول حجم هذا التأثير. وكل ثقافة وحضارة تنطلق من تصورات وتطلعات في تقييمها للتقدم التكنولوجي ومنها حاليا الذكاء الاصطناعي.
وانطلاقا من عالمنا العربي، قد نتعرض لنكسة مكررة كما وقع مع ويكيبيديا. كل دراسة لموقع ويكيبيديا ومختلف المواقع المعرفية – العلمية، سنجد أن الإنتاج باللغة العربية ضعيف ويكاد يكون منعدما أحيانا. وهذا يعني أن الطالب والباحث والمواطن العربي العادي، الذي لا يتحدث لغة عالمية، خاصة الإنكليزية سيكون محدودا ليس فقط في مستوى معرفته، بل حتى في حياته ومستقبله، لأنه سيفتقد للمعرفة اللازمة للتطور والتقدم. وما يحدث على مستوى ويكيبيديا المصدر الشعبي للمعلومات لعامة الناس يتكرر في مواقع علمية هي المصدر العلمي المتخصص للباحثين. الذكاء الاصطناعي ليس كتابا جامدا ولا فهرسا ثابتا، بل هو يشبه الكائن الذي يتغذى وينمو يوميا، من خلال المعطيات التي ينشرها الناس انطلاقا من التعليقات العادية في وسائل التواصل الاجتماعي، إلى المعلومات الدقيقة الواردة في المقالات والتقارير العلمية المتخصصة. والمتعارف عليه هو أن حضور اللغة العربية كما ونوعا في شبكة الإنترنت ضعيف للغاية، ولا يمكن مقارنته مع اللغة الإنكليزية، ثم الإسبانية والفرنسية والصينية، ويضاف إلى هذا ضعف المعلومات النوعية والدقيقة.
لم يواكب العالم العربي الثورات الكبرى، فقد تأخر في استعمال المطبعة عندما قام حكام بتحريم استعمالها طيلة قرون، لأن بعض من تتم تسميتهم بعلماء الدين اعتبروها رجسا من عمل الشيطان، ما أنتج تفاوتا معرفيا وحضاريا بين الغرب والعالم العربي، كان من نتائجه استعمار الغرب للعالم العربي. ومن ضمن الأمثلة الدالة على هذا الشرخ المعرفي والحضاري، كان أول كتاب تم طبعه في إسبانيا سنة 1472، بينما كان أول كتاب جرى طبعه في المغرب سنة 1865، أي بفارق أربعة قرون، بينما لا يفصل بين المغرب وإسبانيا سوى 15 ميلا بحريا في مضيق جبل طارق. تكررت الفجوة مع عالم الإنترنت نسبيا، لكن هذه المرة، ساهمت الصين في مساعدة العالم الثالث على تجاوزها على المستوى المادي، من خلال توفير حواسيب وهواتف ذكية بأسعار مناسبة جدا للدخل الفردي في الدول الفقيرة، إلا أن تجاوز الفجوة المعرفية هو عمل من مسؤولية الدول والباحثين الجامعيين والمثقفين عموما. ولم تبادر أي دولة عربية بما فيها الدول الخليجية الغنية بإنشاء مشروع لإغناء الويكيبيديا كما ونوعا، على الرغم من الدور الذي تلعبه في تشكيل الرأي العام العالمي. لا يوجد مشروع مشابه لتغذية شبكة الإنترنت بالمعلومات الدقيقة في مختلف المجالات تجعل الذكاء الاصطناعي باللغة العربية في المستوى على الرغم من تعدد المشاريع العلمية البراقة في العالم العربي. ومن النتائج الوخيمة لهذا الإهمال هو أن التلميذ والطالب والباحث العربي الذي يتحدث اللغات الغربية سيعتمد عليها أكثر في بحثه مما يعني الاستلاب الثقافي وانعكاساته على الهوية، كما أن الذي لا يتحدث اللغات الغربية أو الصينية سيبقى محدودا في تطوره ومستقبله، لأن البحث في الذكاء العربي سيكون محدودا للغاية.
توجد حاجة ماسة لتغذية شبكة الإنترنت بالمعلومات باللغة العربية، ويجب عدم انتظار الحكومات والأنظمة للقيام بهذا الدور، بل يمكن للباحث والمثقف والخبير في العالم العربي القيام به نظرا لسهولة النشر في شبكة الإنترنت التي يعتمدها الذكاء الاصطناعي. أصبح الأمر ملحا حتى لا يكون الذكاء الاصطناعي بالعربي غبيا.