أذربيجان تنتصر بعد عقود من الانكسار.. وأرمينيا وحلفاؤها يتجرعون الهزيمة!

طه الشريف

حرير- شنّ الجيش الأذريبجاني في 19 أيلول/ سبتمبر 2023 هجوماً خاطفاً على الانفصاليين في إقليم “ناغورني قره باغ”، وذلك باستخدام أسلحة حديثة عالية الكفاءة، مما حمل الانفصاليين على الاستسلام السريع أمام قوة نيران الجيش الأذري، وذلك بعد مرور 24 ساعة فقط من بداية الهجوم، ووافقوا من فورهم على البدء في مفاوضات الاستسلام مع تفعيل إجراءات تسليم إدارة الإقليم إلى حكومة “باكو”.

والحقيقة أن الصراع بين أرمينيا وأذربيجان له أوصافه المتعددة، ويعود تاريخ النزاع بين الدولتين إلى الحقبة السوفييتية ابان حكم الرئيس “جوزيف ستالين” والذي خطط لملفات الأقليات لتكون قنابل موقوتة -قابلة للانفجار!- فصنع ذلك فيما صنع مع إقليم (ناغورني قره باغ) والذي كان جزءاً موثقاً من أراضي أذربيجان، وغالبية سكانه من الأرمن، ثم أعطى للإقليم صفة الحكم الذاتي وهكذا أصبح فتيل الأزمة جاهزاً في أي وقت!

وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي أعلن إقليم “ناغورني قره باغ” استقلاله عن باكو تحت اسم جمهورية “آرتساخ” وبدعم من يريفان، وإلى جانب إقليم قره باغ، فقد احتلت أرمينيا مدنا أذرية مثل “لاجين” و”خوجاوند” و”كلباجار” و”أغدره” و”أغدام” و”جبرائيل” و”فضولي” و”قوبادلي” و”زنكيلان”، مما أثار حربا طويلة إلى أن توصل الطرفان إلى عقد هدنة عام 1994، ثم عادت الأوضاع لتنفجر مرة ثانية عام 2016، وتلتها حرب عام 2020 والتي شهدت تفوقاً للجيش الأذري، ولولا تدخل الروس لبسطت أذربيجان ساعتها كامل سيطرتها على الإقليم.

نستطيع القول بأن النزاع الدائر بين باكو ويريفان ليس إلا حرباً بالوكالة بين أصحاب مصالح متعددين، وليست الحرب كما هو شائع لأسباب عرقية أو دينية بحتة -وإن كانت موجودة- أو لأطماع مجردة حملت الأرمن على احتلال الإقليم، بل الأمر تعدى ذلك بمراحل، لتتشابك المصالح وفقاً لكل الأطراف على حدة.

1- روسيا.. أقرب حلفاء أرمينيا، وهي الشقيقة الكبرى لها في الاتحاد السوفييتي، ورفيقتها في “منظمة معاهدة الأمن الجماعي”، والتي تضم مع أرمينيا وروسيا كلا من بيلاروسيا وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان، وكثيرا ما دعّمت أرمينيا عسكريا. وثمّة إتهامات للجيش الروسي بالتورط المباشر في مذبحة “خوجالي” عام 1992 والتي راح ضحيتها أكثر من 600 مدني أذري، لكنه ومع ذلك فقد حدث تغير في الموقف الروسي في دعم أرمينيا وأسبابه: التقارب بين روسيا وأذربيجان، وكذلك رغبة موسكو في عقاب حليفتها يريفان على التقارب الذي تجريه مع أوروبا وأمريكا، بالإضافة إلى موقفها من الحرب الروسية الأوكرانية..

2- إيران.. ومع تشاركها المذهب الشيعي مع أذربيجان! إلا أنها لا تُلقي بوزنها في دعم باكو بل وتتعامل بحميمية مع أرمينيا الأرثوزكسية! ربما عقابا لباكو كما يشاع على تقاربها مع الغرب، لكن الحقيقة أن إيران تعارض وبشدة اتصال تركيا بأذربيجان عبر ممر”زنغيزو” المزمع إنشاؤه والذي يترتب عليه ضياع الحدود الإيرانية الأرمينية وفقدانها الاتصال المباشر بأوروبا، مع خسارتها للعوائد الضريبية التي كانت تجنيها بسبب التجارة التركية الأذرية التي كانت تمر عبر أراضيها..

ولأرمينيا موقفها الرافض لفتح ممر”زنغيزو” إلا تحت إشرافها حتى لا تفقد سيطرتها على حدودها الجنوبية مع إيران الحليفة! وحتى لا تجد نفسها محاصرة بين دول ذات علاقات أقل ما يقال عنها أنها في حالة توتر معها! مثل أذربيجان شرقا، وتركيا غرباً، وجورجيا شمالاً..

وأهم ما تخشاه إيران بعد فتح ممر”زنغيزو” هو التقارب العِرقي التركماني، بداية من أنقرة مروراً بمقاطعة “نخجوان” ثم وصولا إلى العاصمة باكو ومنها إلى العمق التاريخي والجيوسياسي لتركيا مع الدول الناطقة باللغة التركية في جمهوريات آسيا الوسطى، وانتهاء بالإيغور في تركستان الشرقية “شيانج يانج الصينية”!..

وكذلك فإن ما تخشاه إيران بعد سيطرة أذربيجان على الإقليم هو اتصال أذربيجان المباشر بالأقلية الأذرية في شمال إيران، وما يشكله ذلك من مخاطر على أمن إيران الجيوسياسي..

3- فرنسا.. الداعمة لأرمينيا دون خفاء رغم فرض حيادها لوجودها في مجموعة “مينسك” والتي تضم بجانبها كلا من أمريكا وروسيا، ومهمة هذه المجموعة منذ إنشائها قبل 28 عام هو حل أزمة “ناغورني قره باغ”، ورغم ذلك ففرنسا حاضرة في كل ما يعود على الدولة التركية بالخسارة! ولذا فهي تدعم أرمينيا في نزاعها مع أهم حلفاء أنقرة! كما تفعل الأمر نفسه مع اليونان وقبرص الجنوبية مكايدة لتركيا!

4- الاتحاد الأوروبي حرص على إرساء علاقات متوازنة مع طرفي الأزمة، خاصة أذربيجان، التي تُعَد مورِّداً مهمّاً للغاز إلى أوروبا، خاصة مع استمرار الحرب الأوكرانية، مع ارتفاع صادرات الغاز الأذربيجاني إلى الاتحاد الأوروبي.

5- تركيا.. تقف أنقرة بكل ما تملكه من قوة سياسية وتكنولوجية وعسكرية خلف باكو، وقد وضعت كل سبل الدعم العسكري رهن إشارة أذربيجان من صناعات دفاعية وخبرات وتقنيات وقدرات عسكرية وذخائر وطائرات مسيرة وصواريخ وأنظمة دفاع جوي.

هذا وقد أصبحت أذربيجان بعد إعلان سيطرتها على الإقليم، في وضع عسكري وسياسي متقدم قد يمكِّنها من سرعة تحقيق الواقع المأمول بما يخدم مصالحها ومصالح تركيا وبما يحقق أحلام الدول الناطقة بالتركية.

مقالات ذات صلة