(قواعد الاشتباك مع مراكز القوى).. أحمد فهيم

نفى رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز نفيا قاطعا صحة التصريحات المنسوبة له خلال مداولات الثقة، والتي زعمت على لسانه وجود خطر يتهدد الأمني الوطني في حال الكشف المبكر عن سرطان الفساد وأسماء اللصوص، والاشتباك المباشر مع قراصنة المال العام.
ودونا عن فيض الشائعات التي تطارد هذه الحكومة منذ تسلمها زمام المسؤولية، والمبالغات الممقوتة في تصيد زلات طاقمها الوزاري، فإن هذه الشائعة على وجه التحديد هي الأخطر والأكثر صخبا، ذلك أنها تبعث برسالة تهديد مبطن من قبل أشخاص فاسدين بالضرورة، أرادوا عبر إطلاق هذه الشائعة كبح جماح الحكومة، وثنيها عن نواياها المفترضة في محاربة الفساد، لا سيما غداة فتح عدد من الصناديق السوداء، وإحالة متورطين من الصف الثاني إلى الادعاء العام.
ومن الناحية العملية فلربما تداعت بشكل مباشر أو غير مباشر إلى مسامع رؤساء الحكومات السابقين هذه الفرضية الممجوجة التي تحذر من مغبة الاشتباك مع نافذين كانوا يوما ما في مواقع المسؤولية وكانوا مؤتمنين على أسرار العمل العام، ولكن الجديد هذه المرة هو التجرؤ على طرح منطق الاستقواء في العلن، والتلويح بأشكال النفوذ المختلفة ضد كل من تسول له نفسه ملاحقة الفساد ومحاسبة الفاسدين، وبأن الكلفة ستكون باهظة على النظام والأمن الوطني.
ولعل المتتبع للهجمة المبكرة على هذه الحكومة منذ لحظة الإعلان عن اسم رئيسها المنحدر من خارج المخيطة التقليدية لتفصيل القيادات السياسية، وما أعقب ذلك من إعلان نوايا استعرضه الرزاز ضمن لقاءاته المختلفة، سيلاحظ الكم الكبير من المتحسسين بطاح رؤوسهم (لمجرد إعلان نوايا) وسيلاحظ كم المنتفعين والمتربحين من المال العام دون وجه حق، ولقد رأيناهم يرعدون ويزبدون بلا مبرر مقنع، بعد أن كان بعضهم يتحزم ويرقص لحكومات التأزيم والتلزيم، وزعماء الجباية والنكاية والتنفيع والتجويع.
إن مهمة الدكتور عمر الرزاز هي مهمة في غاية الصعوبة إن لم تكن مستحيلة، ولكي ينجح الرجل في إجراء إصلاح بنيوي في عمق الدولة، على نحو يكرس سيادة القانون ويلجم أصحاب النفوذ ويقلم أظافرهم، فإنه بحاجة إلى إسناد مباشر من كافة الجهات السيادية وعلى رأسها جلالة الملك الذي ندرك حجم الأعباء الملقاة على عاتقه لاسيما إدارته العبقرية لملف السياسة الخارجية، فقبل بناء العقد الاجتماعي المأمول علينا بناء قواعد وطنية جديدة للاشتباك مع مراكز القوى لا سيما قوى الشد العكسي، لأن الظرف الاقتصادي والاجتماعي والأمني الذي يمر به الأردن والمنطقة ما عاد يتسع لاسترضاء أحد أو شراء ولاء أحد، فضلا عن أن هؤلاء المدعين ليسوا صمام الأمان كما يزعمون ولا بيدهم مفاتيح الاستقرار والسلم الأهليين، بل هي بيد الحاضنة الشعبية للعرش والدولة والنظام، وهي (أي الحاضنة الشعبية) من ينبغي أن يتم استرضاؤها وشراء ولائها عبر تكريس قيم العدل والمساواة ومكافحة الفساد المالي والإداري، وتعميق الدولة المدنية على أساس من قيم الديمقراطية والنزاهة وتكافؤ الفرص وقواعد الحوكمة الرشيدة، فما قبل هبة رمضان ينبغي أن لا يكون كما بعدها، حيث حملت الكثير من الرسائل العاجلة التي عبر عنها الرزاز مؤخرا بقوله: (طفح كيل المواطن).
وعلى الحكومة أيضا إزالة مفاعيل التأزيم من فريقها أولا بأول، وإخراج من يثبت ضعفه دون تردد، والعمل على قاعدة عدم امتلاك ترف الخطأ، والتعجيل في تنفيذ القرارات الشعبية، وبناء ماكنة إعلامية قادرة على دحر الشائعات ومحاججة الباعة المتجولين للعدمية والكلام الفارغ، وفي الآن ذاته تقبل النقد البناء والرأي الآخر إن أردنا العبور ببلادنا بر الأمان.

مقالات ذات صلة