إلى الصامدين في قطاع غزة

يواصل الاحتلال إجرامه اللا محدود تجاه شعبنا الفلسطيني الصامد في قطاع غزّة، إذ استخدم كلّ وسائله لقتل هذا الشعب الجبار، رغم أنّها وسائلُ موصوفةٌ في القانون الدولي بـ “جرائم حربٍ”، من حصارٍ لا إنسانيٍ ممتدٍ منذ سبعة عشر عامًا، مرورًا بالعقاب الجماعي، وجريمة الإبادة الجماعية عبر القصف أحيانًا، والتجويع أحيانًا، وعبر تدمير المستشفيات، والتهجير القسري داخل القطاع المحاصر، ومحاولاته المستمرّة إلى خارجه، فضلاً عن جريمة انتهاك حرمة المراكز الإعلامية والأممية والطبية. لكن ورغم كلّ هذا الإجرام لم ينجح الاحتلال في كسر إرادة هذا الشعب الصامد رغم آلامه وجراحه وشهدائه، إذ فشل الاحتلال حتّى الآن؛ وأغلب الظن سيفشل في المستقبل القريب والبعيد، في تهجير المقيمين في قطاع غزّة قسرًا، رغم تواطؤ المجتمع الدولي، ونسبيًا الإقليمي أيضًا.

معركة الصمود التي أدارها شعبنا في قطاع غزّة ببسالةٍ وقوّةٍ، ترتكز على حوامل شعبيةٍ صلبةٍ، أوّلها؛ شجاعة الطواقم الطبية وتفانيها، تلك الطواقم التي اختبرت آلم فقدان الأحبة والأهل، ورغم ذلك استمرّت في أداء دورها الإنساني والوطني بعزيمةٍ لا تلين، كما تحدّت قوات الاحتلال وإرهابه، فتجاهلت تهديداته المستمرّة والمتواصلة، التي طالبتها بإخلاء المستشفيات والمراكز الطبية، فأفشلتها مرّةً تلو الأخرى، حتّى أَجبر الاحتلال بعضهم على مغادرتها تحت تهديد السلاح بعد اقتحامه لها. لكن ورغم طرد الاحتلال الطواقم الطبية من المستشفيات التي اقتحمتها قواته، واصلت تلك الطواقم عملها في مراكز بديلةٍ مدنيةٍ آنيةٍ غير معدةٍ لاستقبال المرضى والجرحى أصلاً، أيّ بالرغم لافتقادها أبسط المعدات والأدوات والمستلزمات الطبية، نتيجة حصار الاحتلال اللا إنساني، وتدميره للمراكز الطبية الواحدة تلو الأخرى.

الركيزة الثانية كانت؛ وما زالت، الدفاع المدني، الذي واجه خطر القتل بقذائف وصواريخ الاحتلال الإرهابي الصهيوني بشجاعةٍ غير متناهيةٍ، إذ اندفعت طواقمه إلى أماكن القصف في اللحظة التي تصلهم أخباره؛ للأسف ونتيجة قطع الاحتلال الاتصالات السلكية واللاسلكية، بما فيها الانترنيت، يصعب على طواقم الدفاع المدني معرفة أماكن القصف دومًا، إذ تسارع تلك الطواقم إلى العمران المهدم بصواريخ وقنابل الاحتلال الإرهابي، باحثةً عن الأحياء تحت الحطام والردم، دون امتلاكه للحدّ الأدنى من المعدات الضرورية لهذه المهمة الصعبة وشبه المستحيلة، لكنهم واصلوا دورهم البطولي والوطني والإنساني، عبر رفعهم ما تيسر لهم من أنقاض تلك المنشآت بأيدهم العارية النابضة بالإنسانية والصمود والشموخ.

إلى أنّ صمود سكان قطاع غزّة في ظلّ أجرام الاحتلال اللا متناهي، هو أمرٌ أسطوريٌ

الإعلاميون الميدانيون هم ثالث تلك الركائز، من إعلاميي المحطّات الرسمية، إلى إعلاميي الإعلام البديل، مرورًا بإعلاميي الحدث، الذين وثقوا كلّ شيء بأدواتهم البسيطة الفردية، وأهمّها هواتفهم النقالة. هم جميعًا من نقل وينقل صور وحيثيات الإجرام الصهيوني وإرهابه دقيقةً تلو الأخرى، صباحًا ومساءً، من قلب المستشفيات، ومن محيط المنشآت المدمّرة، وعلى خطوط الاشتباك، بجميع اللغات التي يتقنونها. وهنا تجدر الإشارة إلى ما يعرف بـ إعلام المقاومة، الذي نقل جزئياتٍ مهمةً من حيثيات التصدي لقوات الاحتلال داخل قطاع غزّة، بكفاءةٍ وسرعةٍ ودقةٍ منقطعة النظير، وهو ما ساهم في دعم صمود شعبنا العظيم بدايةً، وفي تفنيد أكاذيب الاحتلال لاحقًا.

رابع المرتكزات هو التضامن الشعبي الإقليمي والدولي، الذي انعكس في تظاهراتٍ شعبيةٍ نوعيةٍ وجماهيريةٍ ضخمة، جابت كلّ دول العالم ومدنه، ولم تهدئ منذ بداية العدوان الصهيوني الإرهابي على قطاع غزّة، إلى جانب إعادة إحياء سلاح المقاطعة الاقتصادية بضراوةٍ وقوّةٍ لم يشهد مثلها سابقًا، فضلاً عن دوره في كشف كذب وتواطؤ المجتمع الدولي، والإعلام الغربي مع آلة الإرهاب والقتل الصهيونية، كما نجح هذا التضامن في فرض موقفٍ رسميٍ إقليميٍ ودوليٍ رافضٍ لمخططات التهجير القسري، بكلّ أنواعه، رغم التواطؤ الأميركي والأوروبي معه.

خامس الركائز هي المقاومة المستعدة والمستمرّة في دك قوات الاحتلال الغازية لقطاع غزّة، التي أوقعت بقواته خسائر فادحةً لم يعهده من قبل، في عداده البشري والمادي والتقني، إلى جانب خسائره الاقتصادية والمالية والاستراتيجية، على مستوى مكانته الدولية، وصورته في مخيلة مجمل شعوب العالم.

هنا تجب الإشارة إلى أنّ صمود سكان قطاع غزّة في ظلّ أجرام الاحتلال اللا متناهي، هو أمرٌ أسطوريٌ، بل يساوي في قيمته وأسطوريته نجاح كتائب عز الدين القسام في السيطرة على مراكز الاحتلال العسكرية المتموضعة في محيط قطاع غزّة، كما أنّ كلا هذين الحدثين الأسطوريين يخطان سويًا طرق حرية فلسطين وشعبها الأصلي، ويمهدان طريق استعادة شعب فلسطين الأصلي لحقوقه المستلبة منذ ما قبل نكبة 1948. فلولا صمود سكان قطاع غزّة، ورفضهم التهجير القسري لاختلفت المعادلة، ولتمكَّن الاحتلال وداعميه من شن عدوانٍ أوسع وأطول، وربّما لتمكّن من دفن هزائمه، ومن صنع انتصارٍ عسكريٍ، وسياسيٍ على أنقاض القضية الفلسطينية. لكن شعبنا الأسطوري في قطاع غزّة، وفي كلّ مكانٍ، جنبًا إلى جنب مع بسالة وعزيمة فدائيينا الأبطال قد أفشلوا مخططات الاحتلال الإجرامية، كما سوف يشقون درب العودة والتحرير وتقرير المصير لكلّ فلسطينيٍ، وربّما لكلّ فلسطين.

 

مقالات ذات صلة