انقلاب الغابون وازدواجية المعايير الغربية

بلال التليدي

حرير- بعد انقلاب النيجر تحركت فرنسا بكل قواها وجرت معها الاتحاد الأوروبي، ومجموعة الإيكواس من أجل الضغط على قادة الانقلاب لإعادة الحكم إلى الرئيس السابق محمد بازوم واستعادة الوضع الدستوري، وقامت فرنسا بكل ما تستطيع من وسع للضغط على حلفائها لتوحيد اللغة تجاه الانقلاب، واستصدار إدانة في حقه والتهديد بالتدخل العسكري.

الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب المغرب، كانت لهما لغة خاصة، بعيدا عن التغريدة الفرنسية، تتفق على مفهوم استعادة الوضع الدستوري، ولكنها لا تدين الانقلاب، ولا تجعل ضمن موقفها الدبلوماسي استعادة الرئيس محمد بازوم للحكم، ولا حتى الحديث عن التدخل العسكري.

الاتحاد الأوروبي، كان موقفه صارما من هذا الانقلاب، إذ قدم دعما كبيرا للموقف الفرنسي، سواء من خلال التأكيد على ضرورة استعادة الرئيس محمد بازوم لحكمه، أو الدعوة إلى اتخاذ رد صارم تجاه قادة الانقلاب، أو توقيف التعاون الأمني مع النيجر، أو التحضير لفرض عقوبات رادعة ضدهم، أو دعم السفير الفرنسي بنيامي الذي طالبته سلطات الانقلاب بمغادرة النيجر في ظرف 48 ساعة، وأصرت فرنسا على بقائه هناك، حتى اضطرت سلطات النيجر إلى نزع الصفة الدبلوماسية عنه.

في انقلاب الغابون، اختلفت الأمور كثيرا، فمع أن المستهدف الأول من هذا الانقلاب هو المصالح الفرنسية، إلا أن الموقف الفرنسي عرف تحولات غير مفهومة بالنظر إلى نسق الموقف الذي تم اتخاذه من انقلاب النيجر.

في البدء، أعلن الناطق باسم الحكومة الفرنسية أوليفييه فيران إدانة باريس الانقلاب العسكري الجاري في الغابون، ومراقبة باريس لتطورات الوضع، محاولا تقديم إسناد للرئيس الغابوني علي بونغو من خلال الحديث عن ضرورة احترام نتائج الانتخابات حينما تعرف.

موقف فرنسا من انقلاب النيجر بدا مختلفا عن موقفها من انقلاب الغابون، فلم تتضمن تصريحات المتحدث باسم الرئاسة أو الخارجية الفرنسية أي إشارة إلى التدخل العسكري لاستعادة بونغو لحكمه، بل بقيت منفتحة على التطورات، ولم تستتبع الإشارة إلى ضرورة الحفاظ على نتائج الانتخابات بأي مواقف أخرى تؤكد إصرار باريس على عودة الرئيس علي بونغو.

فرنسا، التي تحتفظ بعلاقات قوية مع عائلة بونغو، وتتمتع بمصالح قوية في قطاع النفط والتعدين، وتستحوذ على صادرات الغابون، امتنعت عن الإشارة إلى أي تصعيد تجاه قادة الانقلاب، وظلت تراقب مواقفهم تجاه المصالح الفرنسية.

الخلفية الثقافية والسياسية التي يتمتع بها قادة الانقلاب، سمحت لهم بالتحرك بذكاء، وتلافي التصعيد الفرنسي والأوروبي والأفريقي ضد انقلابهم، فقد منح قائد الانقلاب أول حوار له إلى جريدة لوموند الفرنسية، وهو ما تمت قراءته على أساس طمأنة للمصالح الفرنسية، وعدم رغبة في تكرار النموذج المالي والبوكينابي والنيجري، وأرسل إشارة مهمة من خلال طمأنة شركة التعدين الفرنسية «إيراميت» التي تملك وحدة «كوميلوغ» لإنتاج المنغنيز في الغابون، وإقناعها بضرورة استئناف عملها في الغابون، وهو ما يؤشر على وجود تفاوض ما بين باريس وبين قادة الانقلاب، أو مقايضة بين تأمين حد معتبر من المصالح الفرنسية بالغابون مقابل القبول بالوضع وجعل عائلة علي بونغو في سجل النسيان.

الأكثر من ذلك أن الرغبة في تلافي أخطاء قادة الانقلاب في النيجر، دفعت قادة الانقلاب في الغابون إلى التعامل بشكل مرن وإيجابي مع الرئيس علي بونغو، وذلك من خلال إحالته على التقاعد بدل احتجازه، كما تم إعلان الجنرال بريس أوليغي نغيما رئيسا للمرحلة الانتقالية دون تحديد مدتها، وذلك حتى يبقي قادة الانقلاب هذه الورقة سلاحا قويا في التفاوض مع الاتحاد الأفريقي ومجموعة الإيكواس وفرسا وواشنطن والاتحاد الأوروبي.

الموقف الأوروبي كان أكثر إثارة، فقد أخذ مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، يفلسف الفرق بين انقلاب الغابون وانقلاب النيجر، مدعيا أنه لا مقارنة بينهما، محاولا تبرير الانقلاب بتدخل الرئيس علي بونغو في الانتخابات وتزويرها لصالحه (سرقة الانتخابات). ولأن هذا التصريح يمكن أن يجلب عليه انتقادات كبيرة، لأنه يندرج ضمن الحفز على الانقلابات العسكرية في منطقة هشة لا تقوم فيها العملية الديمقراطية على أساس متين، حاول بوريل أن يستدرك الأمر، بالقول بأن الانقلابات العسكرية ليست هي الحل، وأن تزوير الانتخابات يعتبر في الجوهر انقلابا مؤسساتيا.

الخطير في كلام بوريل الذي يبرر فيه انقلاب الغابون، أنه بدأ يؤسس لمفهوم جديد، ستكون له تداعيات خطيرة على الفكرة الديمقراطية، فواضح أن الرجل يدعم فكرة الانقلاب العسكري في مواجهة الانقلاب المؤسساتي، وهو سابقة خطيرة من مسؤول أوروبي كبير، يمكن أن تلهم ضباط الجيش في عدد من الدول الأفريقية للتدخل للسيطرة على السلطة بنفس المبرر.

واضح من لغة جوزيف بوريل أن الاتحاد الأوروبي، يسير وراء مصالح فرنسا، وأنه بدل أن يتخذ موقفا صارما تجاه انقلاب الغابون، فضل أن ينهج نهج الوساطة لحل الأزمة في الغابون، وأنه ليس له أي خطط لإجلاء مواطنيه كما حدث في النيجر، وذلك في إشارة منه إلى أن قادة الانقلاب في الغابون، يسيرون لحد الآن في منحى لا يعارض المصالح الفرنسية والأوروبية، وأن الموقف ينبغي أن يساير التطورات، حتى تبرز المؤشرات التي تبين العكس.

تفسير هذا التناقض في الموقف بين الحال النيجرية والحالة الغابونية، أن تقدير الموقف الفرنسي والأوروبي، أن روسيا، عبر شركاتها الأمنية (فاغنر) أو علاقاتها الدبلوماسية، لا تقف وراء الانقلاب، وأن سبب الانقلاب على الأقل كما حاول قادة الانقلاب أن يصوروا الأمر، هو جواب عن حالة أزمة مؤسساتية، وإفلاس اقتصادي وعجز سياسي، وفقر اجتماعي، وفساد رئاسي وحكومي فضلا عن عدم أهلية الرئيس للحكم بسبب حالته الصحية، وأن الأمر لا يتعلق بأي حال من الأحوال بوجود نزوع مستقل يحاول التحرر من النفوذ الفرنسي.

الازدواجية الغربية في التعامل مع انقلاب الغابون يفسرها شيء واحد هو تقييم الانقلابات، وما إذا كانت خادمة للمصالح الأوروبية أو مهددة لها، وما إذا كانت تتمتع بالقاعدة الاجتماعية التي تسعفها في حفظ الاستقرار والأمن بما يبعد التهديدات الأمنية وعن المصالح الغربية الاستراتيجية، أو لا يتوفر على هذه القاعدة الشعبية.

في الحالة النيجرية، تأكد لفرنسا والاتحاد الأوروبي، أن الدور الروسي قوي، وأن هذا الانقلاب يندرج ضمن حلقات فك الارتهان بباريس والتحرر من نفوذها في المنطقة، ولذلك جاء الرد صارما من قبل فرنسا والاتحاد الأوروبي، إذ أصر ماكرون في حديثه إلى السفراء على مطلب إعادة الرئيس محمد بازوم إلى الحكم، لكن في الحالة الغابونية كان الأمر مختلفا، ففرنسا، والاتحاد الأوروبي، لا يزالان يعتبران أن التفاوض والحوار مع قادة الحوار سيؤمن المصالح الأوروبية، وأن المنطقة خلو من النفوذ الروسي، في حين تراهن واشنطن على توسيع نفوذها الضعيف في الغابون، واستغلال الانقلاب للتقليص من النفوذ الصيني المتنامي بالغابون.

مقالات ذات صلة