الهدوء يعود إلى عنجرة بعد أحداث مؤسفة

أما وقد عاد الهدوء لـ “عنجرة” البلدة الشمالية الجبلية الوادعة بمحافظة عجلون بعد أحداث مؤسفة اندلعت إثر وفاة الشاب صقر الزغول بعيار ناري أثناء احتجاجات على التعاطي الأمني مع مواطنين هناك، بات من الواجب على أصحاب القرار تحليل الموقف، وتقييم الاداء والقرارات وردود الفعل التي تسببت في أزمة ما كانت لتنتهي لولا أن الأهالي قرروا ألّا يجهلوا فوق جهل الجاهلينا.

 

المطلوب من أصحاب القرار وقادة الأجهزة الأمنية اليوم تدارس الحالة جيدا واجراء المراجعات اللازمة دون ابطاء. المواطنون محتقنون نتيجة الاوضاع الاقتصادية الصعبة، وافراد الشرطة هم مواطنون ايضا ويعانون كما نعاني، لذلك لا نستبعد أبدا أن يخرج بعضهم عن طوره، وهنا يقع المحذور، وقد يبدأ كل طرف بالدفاع عن نفسه واستخدام أدواته، فقد تلجأ الشرطة اذا لم تجد من يوجه بوصلتها بحكمة ورشد، إلى استخدام الهروة والسلاح والاليات، والمواطنون يلجأون الى الشارع للدفاع عن حقوقهم و حقيقة (ان تفويض السلطة لا يعني ابدا التنازل عنها )، وهذا أمر يبدو ان السلطات في عالمنا الثالث لا تفهمه، وفي غالب الاحيان يحتاجون إلى ثورات وربيع وانتفاضات وهبات لتداركه، وللاسف في بلداننالا يعود رجال السلطة الى رشدهم الا بعد ان يتم زلزلة الارض من تحت اقدامهم ..

 

الدروس المستفادة، أنعلى قيادات الاجهزة الامنية ادراك حقيقة انه لا توجد سلطة مطلقة، وعليهم أيضا الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة قبل الكبيرة في واقع تتسع فيه الفجوة بين الناس ومؤسسات الدولة، لا بد أن يلتفتوا لقواعد تعامل أفراد وضباط اجهزتهم مع الناس في الشارع..

 

الواقع أن الأخطاء “الفردية” في جهاز الأمن العام من شأنها التسبب باشكالات عميقة في المجتمع، وخلق حالة من الكراهية والمعاداة للدولة والأجهزة الأمنية، وربما في بعض الحالات يتطور الأمر إلى مواجهات غير محمودة العواقب كما حدث في عنجرة، وهو ما يستوجب تحرّكا حقيقيا وعاجلا وفاعلا من أجل تدارك الأمر.

 

المطلوب اليوم من قادة الأجهزة الأمنية التركيز على التدريب والتأهيل والاعداد النفسي والمهني للتعامل مع مختلف الظروف وأشكال الاستفزاز ووضع قواعد مكتوبة تحدد شكل وطريقة التعامل مع مختلف الظروف، مع التأكيد على قاعدةأن السلطة الممنوحة لهم مصدرها الشعب، ولا يجوز أن تستخدم ضده.

 

ليس مطلوبا من مدير الأمن العام أو مدير عام قوات الدرك أن يحمي أي منتسب للجهاز ارتكب خطأ فادحا كفداحة الاجراءات التي تمت في حادثة عنجرة، على مديري الأجهزة الأمنية جميعا وصناع القرار غربلة أجهزتهم ممن يعتقدون أنهم أهم من الناس وأعلى شأنا ومكانة ونفوذا وسلطانا،أصحاب هذه العقليات السلطوية الفوقية المستبدة مكانهم ليس في هذه الاجهزة الحساسة.

 

بالتأكيد جميعنا يريد حفظ هيبة الدولة والأجهزة الأمنية، وحفظ الهيبة لا يتأتى بالسطوة والاعتداء على الناس وانتهاك حقوقهم وكراماتهم وعظهم على البساطير ،بل بالعدل واعطاء كل ذي حق حقه.

 

مؤسف ما جاء على لسان وزير الداخلية سمير مبيضين، بقوله وكأنه يمنّ علينا: “لولا ضبط النفس الذي تحلت به الأجهزة الأمنية في عجلون لحدثت مجزرة”! مجزرة! ضد من؟! ومن يرتكبها؟! وهل اصبح ضبط النفس اجراءا يحتاج للاشادة والشكر والعرفان! فالقاعدة ان تنفلت الامور من عقالها وتشرع قوى الامن بجندلة الرقاب وسفك الدماء! فكيف يتجرأ الناس على رشق مركبات الدرك بالحجارة هذا ذنب لا يغتفر، ولا بد من القصاص! ، هل هذا ما كان الوزير مبيضين يستبطنه وهو يتحدث عن المجزرة وضبط النفس، هذا كلام لا يليق ولا يمكن تبريره. ثم ماذا عن حادثة السلط؟! كيف يقول الوزير إن اجراء مسح أمني لمنطقة الكسارات في نقب الدبور كان سيكلّف الأجهزة الأمنية؟!

 

وأما عن دور وسائل الاعلام، فلقد بات لزاما عليها أن تراجع سياساتها لتكون سلطة رابعة تنحاز إلى الحقيقة بعد ان ُتطل على مختلف الاراء وتجمع المعلومات من مصادرها الاولية. وسائل التواصل الاجتماعي كشفت وهن الرواية الأمنية الوحيدة في أحداث عنجرة، فمن غير المقبول أن تهبّ مدينة كاملة على قلب رجل واحد ضدّ ما قالوا إنه تعسّف في استخدام السلطة، ثم تذهب وسائل الاعلام جميعا نحو تبنّي الرواية الأمنية فقط دون السماع من الطرف الآخر، وأحسنت قناة الأردن اليوم وأثبتت تميّزها عندما توجهت إلى الأهالي في عنجرة واستمعت منهم لروايتهم دون أن تكتفي برواية طرف واحد.

 

والحقيقة أن رواية الشابين التي جرى تداولها في السوشال ميديا صادمة و خطيرة جدا، وتكشف عدائية غير معقولة تسيطر على أذهان بعض أفراد الأمن، تماما كما أشارت إليه رواية النائب كمال الزغول الذي طالب المسؤول الأمني في المحافظة بسحب قواته قبل انفجار الموقف مع تعهده بتهدئة المحتجين.

فهل نراجع اجراءاتنا قبل أن تفقد أجهزتنا هيبتها، وتهتز دعائم أمن واستقرار دولتنا ..

مقالات ذات صلة