موت ذئب.. رشيد حسن

لم يكن صياد الازرق يبالغ، أو يغرق في الخيال، وهو يتحدث بدهشة مفعمة بالاعجاب، يخالطها حزن شديد.. عن موت ذئب شجاع دفاعا عن فصيلته..التي يأوي اليها..!

ما رواه ابن الازرق هذا.. هي التراجيديا بعينها، وبكل معنى الكلمة، تفرض على المستمع أو القارىء، ان يصدقها، خاصة اذا قرأ عن صفات الذئاب وطبائعها، وما جبلت عليه من الكبرياء والوفاء، فهي لا تأكل الجيفة، ولا تنام الا بعين واحدة، ولا تفارق الانثى القطيع، وتبقى وفية لصغارها وفحلها..الخ.
نعم..نميل الى تصديق رواية صياد الازرق من الفها الى يائها، وقد ذكرتنا بقصيدة للشاعر والاديب الفرنسي «الفريد دوفيني» وهي بعنوان «موت ذئب»..
الشاعر الفرنسي «دوفيني « يروي استبسال ذئب، واصراره على الموت دفاعا عن ذئبة وصغارها.. حينما اندفعت اليهم اندفاع الاعصار، كلاب صيادين شرسة، فقرر الذئب الكبير، بعد ان نظر الى الذئبة وصغارها، وكأنها نظرة الوداع الاخير، ان يغرز رجليه في التراب، ويتصدى لاشرس كلاب الصيادين، فيغرز مخالبه واسنانه في رقبته، رافضا أن يتركه، وقد انهالت عليه رصاصات الصيادين.. ومات الذئب وقد اسبل عينيه بحزن شديد، بعد ان نظر ناحية الذئبة وصغارها، فلم يراها.. وقد ابتعدت كثيرا عن ساحة المواجهة والخطر، فاغمض عينيه.. ومات مطمئنا بانه انقذ الذئبة وصغارها من موت محقق كان ينتظرهما..
قصة صياد الزرق ليست بعيدة عن محور قصة الاديب والشاعر الفرنسي «دوفيني»..
لا بل نزعم انها تكررها..وتعيد بعث مسرح الاحداث من جديد..وعلى النحو التالي:
ذئب شبل يقوم بخطف خروف صغير «طلي» من أحد قطعان الاغنام، ويهرب به لاطعام ذئاب جوعى كانوا بانتظاره..!
صاحب قطيع الغنم وقد ادرك ما حدث، يقوم بملاحقة الذئب –الشبل، يرافقه عدد من الصيادين الذي تواجدوا في المنطقة حينها، ويتمكن الجميع من ادراك الذئب، وقد هالهم ما رأوا… هالهم المنظر، ولم يصدقوا ما يرون…
الذئب الخاطف يقف في مقدمة الذئاب، ومن بينها ذئب كبير هرم، يعتقد الصيادون انه قد يكون والد هذا الذئب –الشبل..ويصر صاحب القطيع على اطلاق الرصاص عليه، رغم اعتراض الصيادين، وكان له ما اراد..
وقي اللحظة التي سقط فيها الذئب الشجاع، وفد حمى الذئاب الاخرى، وخاصة الذئب الكبير بجسده…أطلق الذئب الكبير صرخة حزينة، لا مثيل لها، رددتها صحراء الازرق على اتساعها، فسمعها الصيادون، ومن تواجد في المنطقة حينها..
انها صرخة الفجيعة.. صرخة الحزن والفقد بفقدان اعز الذئاب، الذئب الذي افتداه بنفسه، فرفض ان يغادر باب المغارة، او ان يتزحزح من مكانه لانقاذ عائلته الكبيرة، من موت محقق.. وقد انهالت عليه رصاصات صاحب القطيع.
هذه التراجيديا ليست كما اكدنا من وحي الخيال لا، بل يؤكد عليه شهود، وتشهد على صحتها صفات الذئاب، وتعززها قصة الاديب الفرنسي «دوفيني» وقبلها ما رواه العرب، وخاصة الشاعر الفرزدق عن تقاسمه العشاء مع ذئب جائع.
«تعش فان عاهدني لا تخونني «.. الخ
قصة موت ذئب شدتني… وشدتني كثيرا.. فقررت ان اكتب عنها.. في زمن طغى فيه المال.. طغت فيه الانانية والفساد..طغت النذالة والجبن وعدم الوفاء..
موت الذئاب تحمل معنى عظيما، وتصلح ان تكون رمزا لكل من يرفض الذل والهوان، ويصر على التضحية لانقاذ وطنه وقومه. وهو ما يجسده شعبنا الفلسطيني يوميا في نضاله المشروع ضد عصابات الصهيونية، التي استباحت وتستبيح الارض والشجر والحجر… تستبيح الانسان والمقدسات.
ابناء شعبنا امثال فارس عودة وجنرالات الحجارة، وهم يتصدون لدبابات العدو «للميركافاه» بصدورهم العارية هم ذئاب يدافعون عن وطنهم ومقدساتهم، ويدافعون عن امتهم كلها من الماء الى الماء.
فلا نامت اعين المطبعين الجبناء..

مقالات ذات صلة