بيان بيت العمال للدراسات حول قرار الحد الأدنى للأجور

حرير

رغم أن قرار مجلس الوزراء الذي صدر في شباط من 2017 برفع الحد الأدنى للأجور إلى 220 دينار قد تضمن ما يمكن أن يعتبر وعدا بمراجعته بعد سنة واحدة من صدوره، في ضوء الإنتقادات التي وجهت للقرار في ذلك الوقت كونه لم يراعي كلف المعيشة التي كانت سائدة ومعدل الإعالة ومؤشرات الفقر، التي كانت تشير جميعها إلى أن حاجة العامل ليعيل نفسه وأسرته في حدود خط الفقر تتطلب دخلا لا يقل عن 275 دينار شهريا، إلا أن الحكومة واللجنة الثلاثية لم يلتزما بذلك، وبقي القرار دون مراجعة.

الأصل في الحدّ الأدنى للأجور أنه يمثل أحد أدوات الحماية الإجتماعية الواجب على الدولة توفيرها لفئات العمال الضعيفة أصحاب الدخل المنخفض، وعليه فإن أي مراجعة للحد الأدنى للأجور يجب أن تراعي تحقيق الهدف منه وهو توفير مستوى لائق من المعيشة للعمال وأسرهم بهدف توفير مفهوم الأجر المعيشي الذي أكدت عليه معايير العمل الدولية في دستور منظمة العمل الدولية، وإتفاقية العمل الدولية رقم 131 الخاصة بالحد الأدنى للأجور، التي تدعو واضعي السياسات إلى أخذ حاجات العمّال وأسرهم بعين الإعتبار في إطار كلف المعيشة.

لقد شهد الإقتصاد الوطني في السنوات الماضية عددا من التراجعات أثرت على الأجور بشكل مباشر، وعلى القدرة الشرائية للعاملين بشكل لافت، كانخفاض الناتج المحلي الإجمالي وتراجع نصيب الفرد منه، الأمر الذي انعكس سلبا على حركة السوق وعلى القطاعين الصناعي والتجاري وتسبب في خسائر غير مسبوقة، الأمر الذي يتطلب رفع الحد الأدنى للأجور إلى معدلات كافية تحمي الفئات العمالية الضعيفة وتضمن مستوى معيشة أفضل لهم ولأسرهم، وتساهم في الحد من الفقر وإعادة توزيع الدخل بشكل عادل ومنصف، وزيادة الدخل المتاح، مما سيحقق حتما زيادة في الإستهلاك الخاص، وتنشيط الإقتصاد ورفع معدلات النمو بما يساهم في الحد من البطالة، وتحفيز العمالة المحلية للإقبال على فرص العمل المتاحة.

وكان يفترض في الحد الأدنى المقرر أن يتلائم مع الواقع الجديد للأسعار وكلف المعيشة ومعدل تآكل الرقم القياسي للأجور نتيجة ذلك، والتغير الحاصل على معدل التضخم خلال السنوات الأخيرة وخاصة منذ صدور القرار السابق، وضعف النمو الإقتصادي مقابل نمو سكاني كبير، وارتفاع معدل البطالة غير المسبوق البالغ 19.1%، وانخفاض معدل المشاركة الإقتصادية، والمؤشرات التي تؤكد بأن ثلث السكان معرضون أن يقعوا ضمن خط الفقر بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة، وبشكل خاص كلف الطاقة والنقل والعلاج، إيجارات الشقق، الضرائب على المواد التموينية الرئيسية، وغيرها من السلع والخدمات.

ومن المؤسف أن قرار اللجنة الثلاثية لم يراعي هذه الجوانب، ولم يستند إلى دراسات فنية متخصصة، وجاء الحد الأدنى للأجور الذي وضعته أقل بكثير من الطموح، ومن حاجة الفئات الضعيفة من العمال، الأمر الذي سيبقيهم وأسرهم في مستويات دخل أقل بكثير من معدلات الفقر التي تشير إلى أن خط الفقر للفرد الواحد هو 100 دينار، وللأسرة المعيارية 480 دينار، بما يعني أن العامل بحاجة إلى 400 دينار شهريا على الأقل ليبقى هو من يعيلهم في مستوى خط الفقر، على اعتبار أن معدل الإعالة هو (1: 4)، الأمر الذي سيحمل الدولة مسؤولية تعويضهم وحمايتهم من الفقر، وسيزيد من معدلات البطالة ويقلل نسب المشاركة الإقتصادية نتيجة الإحجام عن القبول بفرص العمل منخفضة الأجور، ويقلل من القدرة الشرائية للمواطن بما يؤثر سلبا على قدرة القطاعات الإقتصادية ويفاقم مشكلة انخفاض النمو الإقتصادي، وكان الأجدى بدلا من التوجه إلى أجور العمال لتخفيف كلف الإنتاج على المؤسسات الصناعية بشكل خاص أن يتم العمل بشكل جدي لدراسة أثر الكلف الأخرى غير المبررة التي تثقل كاهلها وبشكل خاص الضرائب والرسوم بأنواعها والطاقة واشتراكات الضمان الإجتماعي.

كما أن من المؤسف أن القرار الجديد تضمن تأجيلا لتنفيذه إلى العام القادم، وهو أمر غير مسبوق في كل القرارات السبعة السابقة منذ عام 2000، ويخالف الهدف والغاية من وضع الحد الأدنى للأجور القائم على مواكبة التغيرات على كلف المعيشة في وقت صدور القرار، وليس في سنة تالية له، حيث أن أرقام التضخم وكلف المعيشة تحدد سنويا من قبل الجهات المعنية، ومن المؤكد أن أرقامها ومعدلاتها ستكون مختلفة في العام القادم، الأمر الذي سيبقي الفئات الضعيفة من العاملين في مستوى أدنى بكثير من معدلات الفقر إلى العام القادم.

بيت العمال للدراسات
26 شباط 2020

مقالات ذات صلة