حماس واختبارات السياسة.. وعدي التميمي ثم أستراليا!

محمد ثابت

حرير- جرت أحداث ثلاثة مهمة تخص القضية الفلسطينية يوم الأربعاء (19 تشرين الأول الجاري). ففي القارة الأسترالية البعيدة، تم اتخاذ قرار أثلج قلب كل محب للقدس، فقد رفضت الحكومة هناك القرار السابق بنقل سفارتها لمدينة القدس المشرفة، بعدما تيقنت من التعنت والاستهتار الصهيوني بالدماء الزكية لإخواننا الفلسطينيين، لكن حركة حماس مع فصائل فلسطينية مقاومة أخرى، أتمّت مصالحتها مع نظام الديكتاتور الدموي الذي فاق جميع مستبدي عصرنا، بشار الأسد.

ذهب وفد منهم لزيارته في دمشق التي عادت لحظيرة الرئاسة بعد بطشها بمئات الآلاف من المتظاهرين، سواء بالقتل أو الإصابة أو التشريد في دول العالم، حتى بات جزء كبير من الشعب يقارب الثمانية ملايين محروما من دفء الوطن، وما يزال بشار على إجرامه سادرا في غيّه بعد التسبب في قتل ما يقدر بنصف مليون، بدعم من النظام العالمي الجائر الظالم، فيما يكسب أرضا جديدة حينا بعد حين. لكن ما لم يكن يصدقه عقل، أن “حماس” والفصائل تفعلها حتى بعد إعلانها صلحا معه منذ نحو أربعة أسابيع.

أما آخر الأنباء، فقد جاءت من القدس الشرقية باستشهاد الشاب عدي التميمي، بعدما هاجم جنود الاحتلال عند معبرين ونال منهم.

يقول قيادي “حماس” خليل الحية عن اللقاء؛ إنه “يوم مجيد ومنه نستأنف حضورنا في سوريا والعمل معها دعما لشعبنا لاستقرار سوريا”. وهو كلام يشبه تماما أن تقول للمجرم الجزار، الذي يستبيح ذبح رقاب البشر: “أبشر بالفوز والمكانة العظيمة لدى خالقهم إذ إنك تقربهم منه”، وإلا فأي استقرار وأي شعب؟ أهو الشعب الصادق المخلص الذي ثار على استهتار الابن بعد أبيه بأرواحه؟ فنسف طبيب العيون المستهتر أحياءه ودمرها فوق رؤوس ساكنيها، ثم استدعى في 2015م القوات الروسية لاحتلال دولته حتى لتمنعه (القوات) من مرافقة رئيسها لإحدى مواقعها العسكرية بقاعدة حميميم في نهاية 2017م، ويتم إبعاده بالقوة، فضلا عن استخدام بشار الأسلحة المحرمة دوليا التي تم صبها على السوريين صبا.

لكن السيد الحية، زاد من الشعر أبياتا لما أفاض؛ “إننا عبرنا عن سعادتنا بلقائه، وأشرنا إلى أن اللقاء يأتي في ظلال متعددة، ومنها الانتفاضة والثورة الجديدة في الضفة الغربية على المحتل الإسرائيلي، وفي ظل العدوان المتكرر على القدس والأقصى”. ولا ندري أين ذهب كفاح الشعب الثوري من الإعراب ومن كلماته؟ ولماذا تناساه؟ ثم ماذا عن الثورة الجديدة على المحتل الإسرائيلي، بحسب وصفه، لا الصهيوني كما يعرف كل منصف مدقق باللغة؟

ترى هل المحتل “الصهيوني” بعيد يا ترى عما يحدث في دمشق وحواليها، فضلا عن أصقاعها وتوابعها وضياعها المتناثرة؟ أوَ لم يُعلمه أحد أن دول الطوق المحيطة بـ”الكيان الصهيوني” وفي القلب منها سوريا، مطلوب ألَّا تطمئن أو تهدأ مشاكلها الكبرى، فضلا عن أن تنال حريتها وتصل لبر الديمقراطية؟

أوَ لا يظن السيد الحية ورفاقه، أن دماء الشهداء التي تسيل تترى ومواكبهم الصاعدة في شرف وعزة وإباء للسماء من الأراضي الفلسطينية ومخلصي سوريا في العالم، أن هذه الدماء تسيل بعلم ومباركة بني صهيون، بل أسلحة الدول الداعمة لهم؟ فكيف يُسيلون الدماء الزكية في سوريا وفلسطين ثم يذهب ليدعي أن النظام السوري الممسك بالسلاح إلى جوار الصهاينة وأنصارهم، وبمباركتهم لإبادة مخلصي الشعبين الفلسطيني والسوري، يحافظ على الدم الفلسطيني؟ أم إن الكلام يصدر عن عين المحب التي هي عن كل عيب كليلة؟!

وهلم جرا من كلمات أخرى للسيد الحية، مثل: “هذا اللقاء رد طبيعي وفي قلب سوريا لنقول للاحتلال والمشاريع الصهيونية والأمريكية التي تستهدف أمتنا؛ إن هذا هو الرد الطبيعي، أمة موحدة ومقاومة تحتضنها الأمة”، وهي كلمات عموما تستعصي على العقل ويتيه بها الجنون، لكن حضرت هنا مفردة الصهيونية وإن كانت متأخرة، لكن لتناسب وضعها بجوار أمريكا؛ وكأن الأخيرة لا تدير المشهد في سوريا بجدارة وتقصف لتردع روسيا إن لزم الأمر، كما فعل دونالد ترامب من قبل، أما الأكثر مرارة حتى ليجف الحلق منه، فهو أن السيد الحية يعدّ الوجود الروسي بعد عدوان النظام السوري، من الأمة الموحدة واحتضان المقاومة!

أما خاتمة قوله: “نحن مع سوريا الأرض الواحدة والشعب الواحد.. نحن نطوي أي فعل فردي لم تقره قيادة حماس، واتفقنا مع الأسد على طي صفحة الماضي”، فيكفيه أنه يذم به مقاومون سوريون ما يزالون يقاومون النظام من داخله، وإن اختلفنا معهم في تشتتهم أو غيره، فإننا نتفق على أنهم على الحق، مثلما كانت حماس والفصائل من قبل لما قررت مقاطعة جزار سوريا ثم تراجعت.

إننا نلمح الخبر الحكومي من جانب الحكومة الأسترالية، ومن قبل العمل الفردي والاستشهاد من جانب شاب لم يتعد العشرين إلا بعامين، وقد كافح حتى آخر أنفاسه ضد احتلال غاشم مستبد، لا يقل إجراما عن أمثال الأسد الابن. أما الذين شابوا في ظل ما يسمى بالكفاح من حماس وغيرها (ونحن لا ننكر هنا سابق كفاحهم، وما كان لنا بالمناسبة)، بالإضافة لسياسيين عرب من مثل أتباع رئيس الوزراء السابق سعد الدين العثماني في المغرب؛ ممن اتبعوا حمية سياسية مع النظام هنالك -إن جاز التعبير- فأودى بهم النظام لما أقروا تعامله مع الكيان الصهيوني، فعاقبهم الشارع هناك بالحرمان من النجاح في الانتخابات، فهؤلاء اليوم من أشد المدافعين عن مد يد حماس والفصائل لبشار، ويبدو أن الحياة تثبت أن اختبارات الحياة أوسع مجالا وأقوى من مُثُل عليا، لا يثبت أصحابها للأسف أمام التيار، وإن حاولوا وثبتوا من قبل!

مقالات ذات صلة