الشراكة الديمقراطية المدخل للوحدة الوطنية الفلسطينية

مصطفى البرغوثي

حرير- لا مبالغة في القول إنّ الشعب الفلسطيني يواجه التحدّي الأخطر في تاريخه منذ وقوع النكبة في عام 1948. ولا يترك حكّام إسرائيل بسلوكهم وتصريحاتهم أي مجالٍ للشك في نواياهم، تصفية حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وضمّ ما تبقى من فلسطين وتهويده، ومحاولة إخضاع الفلسطينيين، كما قال وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، بواحد من ثلاثة خيارات “إمّا الرحيل، أو الخضوع الكامل للفاشية الإسرائيلية، أو الموت”. كما تجاوز الوزراء الفاشيون الإسرائيليون حدود الدعوة لتوسّع استعماري استيطاني شامل، والضم والتهويد، إلى المطالبة بالتطهير العرقي التدريجي، واستخدام إرهاب المستوطنين وسيلةً لتحقيق ذلك. وتجاوزت حكومة إسرائيل ما فرضته من إعادة سيطرتها العسكرية والأمنية على ما تسمّى مناطق “أ” إلى فرض سيطرتها المدنية كذلك، وهذا هو مغزى تصريحات سموتريتش أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي، بأنه يريد تقييد البناء الفلسطيني، ليس فقط في مناطق “ج”، بل وفي كلّ الضفة الغربية. وتؤكّد هذه التصريحات ما قلناه مراراً، موت اتفاق أوسلو ونيّة إسرائيل ضمّ الضفة الغربية بكاملها.

ومن المهم هنا الاشارة إلى أنّ المعارضة الإسرائيلية التي تُعارض التغييرات القضائية تؤيّد سلوك الحكومة الإسرائيلية وتصرّفاتها في كلّ ما يتعلق بالفلسطينيين والاستعمار الاستيطاني، وهجمات القتل والتنكيل ضد سكان الضفة الغربية، وجديدها أخيرا الهجمة الوحشية على مخيم جنين، وكذلك ضدّ قطاع غزة.

لن تستطيع الحركة الوطنية الفلسطينية مواجهة هذا التحدّي التاريخي والهجمات الشرسة للحركة الصهيونية، من دون توحيد صفوفها وطاقاتها. وليس بإمكان أي قوةٍ، مهما بلغت قدرتها وتضحياتها، أن تُواجه منفردة هذا التحدّي.

كما لا يحقّ لأي قوة، مهما كان تاريخها، أن تدّعي حقّ التفرّد في قيادة الشعب الفلسطيني ونضاله العادل. ولا يخفى على أحد أنّ الانقسام الداخلي الفلسطيني أكبر عامل ضعف فلسطيني تستغله إسرائيل، وجميع أعداء الشعب الفلسطيني، وأكثر سببٍ يتستّر خلفه كلّ المتقاعسين عن دعم حقوق الشعب الفلسطيني، والمطبّعين مع حكومة الاحتلال الفاشية.

هناك اختلافات داخلية فلسطينية في الرؤى والقناعات، وفي المصالح أيضاً. وهناك حالاتٌ تتمسّك برؤى أثبتت الأحداث والحياة فشلها الكامل، بدافع الحرص على المصالح الفردية، وأحياناً الفئوية. لكن الثابت قطعاً، بعد كلّ ما جرى، وما رأيناه من اجتياحاتٍ وحشيةٍ متتاليةٍ لمدن الضفة الغربية، وحروبٍ متكرّرةٍ على قطاع غزة، وتوسّعٍ خطيرٍ للإرهاب الاستيطاني، أنّ الحركة الصهيونية تستهدف الجميع، بما في ذلك مصالح الذين ما زالوا يتمسّكون بوهم إمكانية الوصول إلى حلٍّ وسط مع الحركة الصهيونية.

في ظلّ التعدّدية السياسية القائمة في الساحة الفلسطينية، والتعدّدية ظاهرة صحية، يمكن أن يكون التنوّع والاختلاف مصدر ضعف عبر الانقسام، أو مصدر قوة عبر الوحدة. وللخروج من دائرة الانقسام، وأقصد بذلك، ليس فقط الانقسام الذي جرى عام 2007، بل الانقسام الأعمق الذي تبلور بعد توقيع اتفاق أوسلو، لا يوجد حلّ سوى القبول بمبدأ الشراكة الديمقراطية، الشراكة في صنع القرارات السياسية والكفاحية، والشراكة في بلورة استراتيجية وطنية كفاحية مقاومة مشتركة. وذلك كله قابلٌ للتحقيق إذا جرى تغليب المصلحة الوطنية الجامعة، على كلّ المصالح الفئوية والحزبية والفردية، وإذا تُرجم الإحساس بالخطر المشترك إلى فعلٍ، وبرنامج عمل ونضال مشترك، لإفشال الهجمة الصهيونية على الشعب الفلسطيني ومستقبله، وقيادة وطنيّة موحّدة.

هناك شكٌّ كبيرٌ لدى جماهير الشعب الفلسطيني حول اجتماع القوى الفلسطينية المقرّر عقده في نهاية شهر يوليو/ تموز الحالي في القاهرة. ولا يمكن لوم هذه الجماهير على شعورها بالشكّ والقلق، بعد أن شهدت لقاءاتٍ متكرّرة للقوى ذاتها، تنتهي إلى الفشل، أو إلى اتفاقياتٍ لا تُنفذ ليعود الجميع إلى دائرة الانقسام، وتبادل الاتهامات.

وإذا انتهى اجتماع القاهرة المقبل إلى فشلٍ آخر، لا سمح الله، سيكون غضب الجماهير الفلسطينية، بعد كلّ ما جرى في جنين وغيرها، عظيماً وجارفاً.

لذلك كلّه، ومن منطلق مصلحة الشعب الفلسطيني في سدّ الطريق على الفاشية الإسرائيلية، من واجب الجميع بذل كلّ جهد ممكن لجعل هذه الفرصة الأخيرة، ناجحة ومدخلاً لنهج وطريق جديد، واستراتيجية وطنية مقاومة موحّدة، تعتمد مبدأ الشراكة الديمقراطية، في إطار وطني موحّد، وقيادة وطنية موحّدة، وتُمهّد الطريق لإعطاء الشعب الفلسطيني حقّه المسلوب في الانتخابات الديمقراطية لقياداته.

هناك أربعة مؤشّرات، قبل اجتماع القاهرة، يمكن أن توحي بالجدّية والحرص على نجاح ذلك الاجتماع، أولها الإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين، ووقف ظاهرة الاعتقالات السياسية. وثانيها وقف الحملات الإعلامية المتبادلة، والتي تجاوزت كلّ الحدود. وثالثها الاستعداد لمنح وقتٍ كافٍ للحوار الوطني، كي يصل إلى نتائج ملموسةٍ ومحدّدة، يراها الناس في التطبيق، وليس في بياناتٍ واتفاقياتٍ لا تُطبّق. ورابعها إعلانٌ واضحٌ من جميع القوى المشاركة بالموافقة على مبدأ الشراكة الديمقراطية، ووضعه موضع التطبيق، في إطار قيادةٍ وطنيةٍ موحّدة، يتواصل عملها لاتخاذ القرارات الجماعية وتطبيقها، وقيادة النضال الوطني المشترك، ولا ينتقص ذلك من مكانة منظمة التحرير الفلسطينية، بل يعيد الاعتبار لها.

مرّة أخرى نكرّر، لن ينفعنا أحدٌ ما لم ننفع أنفسنا، وما حكّ جلدك مثل ظفرك، والعبرة في التنفيذ والتطبيق، وليس في الكلام الإنشائي الذي تذروه الرياح.

مقالات ذات صلة