الحكومة تسلم مواطنا قطعا أثرية معارة منذ ثلاثين عاما وتسمح له نقلها خارج المملكة

حرير_رغم الجلبة الكبيرة التي اثارها خبر وجود الكثير من القطع الاثرية في متحف الاثار بجامعة اليرموك بلا رقم وطني، اي انها غير مسجل اصوليا في دائرة الاثار العامة ،الا ان الامر اخذ يتصاعد على نحو غير مفهوم بعد تسرب معلومات عن عملية تسليم ستتم هذا الاسبوع لعدد من القطع الاثرية النادرة الى مواطن اردني كان قد اعارها في العام 1988 لمتحف الاثار لمدة خمس سنوات ..
اذا، وبعد مضي قرابة الثلاثين عاما يأتي هذا المواطن ليطالب المتحف بالقطع الاثرية المعارة، وهو الامر الذي يبدو ان ادارة المتحف والجامعة متفهمة له ولا توجد لديهما اي مشكلة في عملية التسليم ، ولو كان هناك عدد لا نهائي من الاشكالات والاسئلة والملاحظات المتعلقة بعملية الاعاره منذ لحظة توقيع الاتفاقية وحتى يومنا هذا..
خبراء في مجال الاثار اكدوا  ان اتفاقيات الاعارة تتم غالبا بين مؤسسات ومتاحف وجامعات وهؤلاء جهات لديها شرعية وشهادات واعتراف دولي بامتلاكها للاثار ،لم يحدث ان وُقعت اتفاقية بين متحف اثار معترف به ، واحد الاشخاص الطبيعيين ، مواطن اردني لديه قطع اثرية نادرة ، لا نعرف كيف دخلت المملكة ، ولا نعرف كيف احتصل عليها لعدم وجود شهادة منشأ تثبت شرعية امتلاكه لهذه القطع ، لا نعرف ما اذا حصل المتحف حينها على موافقة رئيس الوزراء ودائرة الاثار العامة قبل توقيع اتفاقية الاعارة ، لا نعرف كيف ستوافق الحكومة على السماح لاحد مواطنيها ليس فقط بحيازة القطع الاثرية غير معلومة المنشأ واعارتها واعادة حيازتها ، وانما بنقلها خارج حدود المملكة ، لا نعرف كيف توافق الحكومة الان على تسليمه هذه القطع بعد مضي اكثر من ٢٥ عاما على انتهاء مدة الاعارة ، يبدو ان الاتفاق المَعيب جُدد تلقائيا ، وكانت الحكومة تنتظر ان يأتي الوقت الذي يطالب به المواطن بقطعه الاثرية ، فلا يضيع عند الحكومة حق وراءه مُطالب ..
اما عن تفاصيل القصة وحسب المخاطبات والكتب الرسمية المرفقة بالمادة الصحفية فهي على النحو التالي :
قام المواطن (ل س ) عام 1988 باعارة متحف جامعة اليرموك قطعا أثرية بعد توقيع اتفاقية اعارة مع ادارة الجامعة ،المصادر اكدت ان هذه القطع مصدرها و منشأوها غير اردني ، ومع ذلك دخلت المملكة بطريقة ما، وتم اعارتها بشكل مباشر الى متحف الاثار في جامعة اليرموك ، واضافت المصادر ان الاتفاقية التي وقعت لم تأخذ موافقة رئيس الوزراء ولا دائرة الاثار العامة ،وان الاتفاقية مدتها خمس سنوات فقط ، المهم ان الانباء تضاربت هنا حول شهادة المنشأ ، ففي الوقت الذي تؤكد فيه المصادر ان هذه القطع سلمت للمتحف دون شهادات منشأ اصولية ، يؤكد بعض المسؤولين ان شهادات المنشأ كانت متوفرة حينها ، والان لا توجد شهادات منشأ!
وبحسب ما اطلعت عليه من وثائق، فإن مدير دائرة الاثار العامة بالوكالة يزيد عليان وفي كتابه رقم (17 5 2 4093) تاريخ (1/ 11/ 2018) ردّا على كتاب رئيس جامعة اليرموك المتضمن طلب (المُعير) استرداد القطع الموجودة في متحف الجامعة، أكد “وجود اشكالية بموضوع حركة هذه القطع الأثرية وقانون الآثار الأردني والاتفاقيات الدولية” طالبا “ابقاء الوضع على ما هو عليه وعدم اتخاذ أية اجراءات لحين توفر أية بينات تتوافق والتشريعات المتعلقة بمثل هذه القضية، ولا سيّما ضرورة وجود شهادات منشأ لكلّ قطعة أثرية من هذه القطع”.(***وهذا يعني ان هذه القطع بلا شهادات منشأ )، وهذا امر في غاية الخطورة ، ويفتح المجال واسعا للكثير من الافتراضات والاسئلة ..
وفي خطاب لاحق، أبدى رئيس جامعة اليرموك الدكتور زيدان كفافي في كتابه رقم (را/ 125/ 66/ 3725) تاريخ (12/ 11/ 2018) جاهزية الجامعة لتسليم القطع إلى “المُعير” ، وذلك “بعد موافقة دائرة الآثار العامة وتسمية مندوب من الدائرة حسب الأصول، وما يقتضيه قانون الآثار العامة المعمول به في الأردن”. (حقيقة يا سلام ، جاهزية كاملة)..
وفي ردّه على خطاب كفافي، أكد عليان في كتابه رقم (17 5 4313) تاريخ (19/ 11/ 2018) على مضمون كتابه السابق المتضمن “ابقاء الوضع على ما هو عليه وعدم اتخاذ أية اجراءات لحين ايجاد صيغة للتعامل مع هذا الموضوع”، لافتا إلى أنه تم الاجتماع مع (المُعير) ومدير آثار سابق في جامعة اليرموك وتوضيح أن الموضوع يتعلق بمواد قانون الآثار رقم (21) لسنة 1988 وتعديلاته والتي تختص بمثل هذه الحالة، وأن هناك اجراءات يجب اتباعها قبل اتخاذ أية قرارات بهذا الشأن.
وفي وقت لاحق، عاد عليان لمخاطبة كفافي في كتاب رقم (12 5 363) تاريخ (28/ 1/ 2019) أنه “استنادا إلى كتاب رئيس الوزراء رقم (26/ 11/ 1/ 4862) تاريخ (24/ 1/ 2019) والمعطوف على كتاب رئيس ديوان التشريع والرأي رقم (د ت 1/ 1/ 19) تاريخ (16/ 1/ 2019)”، قائلا إنه: “لا مانع من تسليم السيد( ل س) القطع الأثرية المعارة من قبله بموجب الاتفاقية المبرمة معه منذ عام 1988، مع عدم وجود أي مانع قانوني باخراج هذه القطع إلى خارج حدود المملكة، وبحضور مندوبين عن الدائرة”.(الان وبعد اخذ الرأي القانون من ديوان التشريع والرأي (الفتوة) فلا يوجد ما يمنع من تسليم القطع الاثرية للمعير وخروجها من المملكة حسب كتاب رئيس الوزراء اعلاه !!!!)
مدير دائرة الاثار العامة بالوكالة يزيد عليان قال ان القانون قبل العام 1988 كان يسمح بتداول الاثار بين المواطنين وهناك الاف القطع الاثارية لازالت بين ايدي المواطنين مسجلة بشكل رسمي لدى الدائرة وتعتبر امانة بين ايديهم لحين ايجاد حل وطني لهذه القضية من خلال شرائها والاحتفاظ بها بالمتاحف الرسمية .
واضاف عليان  ان الاثار الموجودة في جامعة اليرموك والتي تعود لشخص تندرج ضمن هذا الاطار والاتفاقية الموقعة معه تدل على ان القطع موجودة لديه بشكل قانوني ولهذا تم توقيع الاتفاقية معه بشكل رسمي وضمن اطار قانوني .
وافاد عليان ان بعض بنود الاتفاقية كانت تحتاج الى تفسير وارسلناها الى ديوان الراي والتشريع لاخذ راي قانوني رسمي مشيرا الى ان القطع لازالت موجودة في الجامعة وننتظر الراي القانوني حولها ولن تخرج بسهوله من الاردن الا بعد التاكد من امتلاكها بشكل رسمي من قبل هذا الشخص .
وبين عليان ان الاردن لا يسمح بمرور او امتلاك قطع اثرية الا بوجود شهادة منشأ من قبل الدولة التي احضرت منها القطع الاثرية وغير ذلك يتم مصادرتها ، مشيرا الى ان هناك الاف القطع الاثرية موجودة بين ايدي المواطنين مسجلة بشكل رسمي وقانوني وهناك بعض التجار لديهم مئات القطع الاثرية ولا يسمح ببيعها او تداولها وهي موجودة ضمن القانون القديم ، مشيرا الى ان القانون الحالي منع هذه الممارسات واي قطعة يتم العثور عليها حديثا يجب ان تسلم للدولة .
وتم محاولة التواصل مع رئيس جامعة اليرموك الدكتور زيدان كفافي، ليطلب الأخير معاودة الاتصال بعد نصف ساعة، غير أنه لم يُجب على جميع الاتصالات بعد ذلك.
وحتى يلم القارئ بابعاد المسألة القانونية ،ننشر بعض المواد القانونية ذات الصلة علها تساعد في فهم الموضوع وادراك ابعاده ووجاهة طرحنا للاسئلة :
وتنصّ المادة الخامسة في الفقرة (أ) من قانون الآثار العامة على أنه “تنحصر في الدولة ملكية الآثار غير المنقولة، ولا يجوز لأي جهة أخرى تملّك هذه الآثار بأية وسيلة من وسائل التملك، أو دفع حقّ الدولة في ذلك التملك بالتقادم أو غيره من الدفوع”، فيما تؤكد الفقرة (ب) أن ملكية الآثار المنقولة وحيازتها والتصرف بها خاضعة لأحكام هذا القانون.
فيما تقول الفقرة (ج) من المادة الخامسة أنه “يحقّ للهواة بموافقة الدائرة تملّك الآثار أو جمعها من خارج المملكة بهدف الاقتناء إذا أجازت ذلك تشريعات بلد المنشأ، شريطة تبليغ المراكز الجمركية في الحدود عند ادخالها إلى المملكة لتقوم بدورها بتسليمها إلى الدائرة بواسطة أحد موظفي الجمارك وبحضور صاحب العلاقة لتسجيلها وتوثيقها حسب الأصول القانونية خلال سبعة أيام من تاريخ تسلمها لها.
وتؤكد الفقرة (ز) من المادة الخامسة على أنه “لا يجوز ادخال أي أثر منقول إلى المملكة بقصد تصديره سواء برفقة شخص أو عن طريق الترانزيت ما لم يثبت خطيا أن حيازته لهذا الأثر مشروعة”.

مقالات ذات صلة