دونالد ترامب أم إيلون ماسك.. من يحكم أمريكا؟

ابراهيم عرب

حرير- كلما ظننت أنني فهمت العلاقة بين دونالد ترامب وإيلون ماسك تبين لي أنها أكثر ريبة وتشابكا وتفاعلا، على مدار الوقت بلغت قول ترامب إنه لا أحد يستطيع تفريقه عن ماسك، الذي كان قد قال “أنا أحب دونالد ترامب بقدر ما يمكن لرجل غير شاذ أن يحب رجلا آخر”. ماسك يوصف اليوم بأنه الرئيس الفعلي، أو “رئيس ظل” رغم أنه غير منتخب، ولم يحظ حتى بتأكيد مجلس الشيوخ في تعيينه رئيسا لإدارة الكفاءة الحكومية، وهي التي تواجه بدورها جدلا قانونيا كونها لم تشكل بقرار من الكونغرس، وإنما بأمر تنفيذي رئاسي.

وفي كل الحالات هذا يدل على حجم نفوذه داخل البيت الأبيض، مشهد لخصه غلاف “التايمز” الذي أظهر ماسك جالسا على كرسي ترامب في المكتب البيضاوي، وكذلك غلاف “نيويوركر” بكاريكاتير يظهر ماسك يضع يده مع ترامب على الإنجيل أثناء أداء القسم. ولأن الولد سر أبيه، فلم يكن هناك أبلغ من لسان ابنه “إكس” ابن السنوات الأربع، الذي يتمتع وفق ترامب بمعدل ذكاء مرتفع، حين قال أمام الكاميرات لترامب “أنت لست الرئيس.. عليك الذهاب بعيدا!”.

من الخلاف إلى التحالف

لم يكن ترامب وماسك يكنان الود لبعضهما بعضا، حتى محاولة اغتياله قبل الانتخابات بأشهر في بنسلفانيا، إذ أن ماسك، بنظر ترامب، مخادع دعم منافسيه في انتخابات 2016 و2020. لكن هناك من التقط أول المشتركات بينهما بمعاداة تيار “اليقظة” التقدمي بعد أزمة ماسك صيف 2024 مع ابنه خافييه الذي تحول جنسيا إلى فتاة. كلمة السر هذه كانت اليهودي ستيفن ميلر، مستشار ترامب للأمن الداخلي، الذي كان أيضا مستشارا لماسك في الإنفاق على القضايا الثقافية والاجتماعية.

قواسم مشتركة

وجد ترامب وماسك في بعضهما بعضا خصالا وأهدافا مشتركة، فالاثنان رجلا أعمال دخيلان من خارج الدولة العميقة، ومتهوران لا يتسامحان مع الانتقاد، ويهدفان إلى تفكيك مؤسسات الحكومة التقليدية، وتقليص نفقاتها بحوالي 2 تريليون دولار. فعقلية عالم الأعمال المهيمنة عليهما، تتطلب تخفيض التكلفة وتعزيز الأرباح أيا كانت الوسيلة، وهو نهج اتبعه في شركته “سبيس إكس” ولاحقا في “إكس”. ومع جنوح ماسك نحو الأفكار اليمينية المحافظة، تقاطع الرجلان على سياسة “رجل وامرأة” ومحاربة “التنوع والمساواة والدمج”.

الدور والمهام الحالية

يرأس ماسك في إدارة الكفاءة الحكومية شبابا تقنيين عملوا في شركاته سلحهم بخوارزميات الذكاء الاصطناعي والتصاريح الأمنية للوصول إلى أكثر المعلومات حساسية في نظام المدفوعات الفيدرالي. أثار ذلك مخاوف من انقلاب لا مثيل له بالاستيلاء على أنظمة الحكومة التكنولوجية التي تعادل اليوم مقر التلفزيون إبان إذاعة البيان رقم واحد، فاختراق هذه البنية التحتية يقود إلى السيطرة على الدولة.

يتذرع ماسك بمكافحة الفساد، وترهل الهيكل الحكومي من خلال تعقب مدفوعات سنوية بقيمة 5 تريليون دولار، وما يتطلبه ذلك من تفكيك مؤسسات مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وصرف عشرات آلاف موظفيها، والتلويح بإلغاء أخرى مثل وزارة التعليم. تثير تحركات ماسك مخاوف داخلية لجهة تفويض خوارزميات بقرارات استراتيجية تفضي إلى أكبر عملية تطهير سياسية وإدارية تبث الرعب في الجسم الحكومي، إضافة إلى مخاوف خارجية تتعلق باحتمال تعرض البيانات السرية لقرصنة روسية أو صينية بعد تخزينها في مراكز بيانات فريقه.

مصلحة ترامب

يستفيد ترامب من وجود ماسك بعد ضخه حوالي 288 مليون دولار في حملته الانتخابية. وحوّل حضوره على “إكس” إلى بوق دعائي، خصوصا أنه يتحكم بخوارزمية المنصة لتصبح فضاء عاما للجمهوريين، بعد أن كانت منصة الديمقراطيين التقدميين أثناء ملكية جاك دورسي. ولم يعد ترامب المرشح المسن أمام فئة الشباب، بفضل وجود ماسك الريادي المعروف وابتكارات شركاته مثل، سفينة “ستار شيب” الفضائية وحلم الحياة على المريخ وشاحنة “سايبر تراك” ونموذج الذكاء الاصطناعي “غروك 3”. وأسهم دور ماسك إلى جانب بارون نجل ترامب الأصغر في مشاركاته في برامج البودكاست الشهيرة مع جو روغان وثيو فون وليكس فريدمان، واستضافة صانعي المحتوى على “تيك توك”. كما انعكس ذلك في تأييد ترامب للعملات المشفرة، لا سيما البيتكوين، التي يعتبر ماسك أحد متبنيها الأوائل.

مقامرة ماسك

تفوح من علاقة ترامب ـ ماسك روائح تضارب المصالح، وشبهات المحاباة وشكوك بحصول ضغوط لإلغاء دعاوى ضد شركات ماسك، ومضاعفة العقود الحكومية. فرهان ماسك على ترامب، كان أشبه بمقامرة مجنونة، كون استطلاعات الرأي كانت تؤشر حينها إلى فوز كامالا هاريس. ترتبط شركة “سبيس إكس” بعقود حكومية تجاوزت 20 مليار دولار منذ 2008 وتحديدا وكالة ناسا. وشركة “تسلا” مسؤولة عن عقود بالملايين بتزويد مؤسسات حكومية بسياراتها الكهربائية. وشركة “ستارلينك” هي المعتمدة من البنتاغون، لتزويد أوكرانيا والمناطق النائية بالإنترنت الفضائي. ويبدو أن ماسك يسعى على غرار آبل للحصول على استثناءات لشركاته من الرسوم الجمركية كونها تقوم بعمليات تصنيع في الصين.

رهان على الانفجار

تثير المبالغة في النفي، الشكوك في إثبات المنفي. إذ أن ترامب ينفي دائما وجود خلافات مع ماسك، رغم أن الأخير متهم بأنه صاحب سطوة عليه في أكثر من قرار، مثل التدخل في اختيار وزير الخزانة، أو رفض تعديل سقف الدين. حرص ترامب هذا دفعه للظهور مع ماسك في مقابلة على “فوكس نيوز” بعد أن بلغت النميمة أذنيه، بشأن احتمال انفجار الأنا المتضخمة لديهما وبالتالي القضاء على هذه الشراكة.

وبرأيي أن الرهان على الطلاق بينهما مبالغ فيه، فكلاهما بحاجة للآخر. ينام ماسك على ثروة تجاوزت 400 مليار دولار، ويملك تطبيق “إكس” الأكثر تحميلا بوصفه منصة إخبارية بالولايات المتحدة. فهو بذلك يجمع الثروة والإعلام وبقربه من ترامب يعزز من نفوذه في السلطة، ليتجاوز تأثيره إلى التدخل في دول أوروبا وأمريكا اللاتينية. أما ترامب فيريد تحقيق إرث في نهاية ولايته الثانية والأخيرة على قاعدة أن الحكومة ليست الحل، وإنما المشكلة كما قال رونالد ريغان. ويستمد ذلك من “مشروع 2025” الذي نفى مرارا علاقته به. لكن قراراته لا تترك مجالا للشك أنه يتبع صفحاته التي قاربت الألف، وليس عزمه إلغاء مكتب التحقيقات الفيدرالي إلا أحد الدلائل على ذلك.

وفي ظل إقصاء ترامب الجمهوريين التقليديين وهيمنته على أجنحة السلطة التشريعية بمجلسي الكونغرس، والقضائية بأغلبية قضاة المحكمة العليا، فإن ماسك على ما يبدو سينجو من أي مساءلة قانونية. فقد أخفقت دعوى قدمها 14 مدعيا عاما فدراليا في اتهام ماسك بعدم امتلاكه سلطة قانونية لعمليات الفصل الجماعي للموظفين والوصول إلى أنظمة الحكومة الحساسة. ويتوقع أن تواجه قضايا أخرى مصيرا مشابها أو أن تبقى في أروقة المحاكم إلى حين انتهاء ولاية “ترامب – ماسك” التي لم تتجاوز المئة يوم بعد.

مقالات ذات صلة