المحامي المسيء للمهنة ودور نقابة المحامين . . !

موسى العدوان

حرير- لا شك بأن المحاماة مهنة شريفة، تشارك السلطة القضائية، في إظهار الحقائق لتطبيق العدل، وتأكيد سيادة القانون. ويُفترض بمن يمارسها أن يتقيد بأدبياتها، وأن يكون على مستوى عالي من الأمانة والخُلق الكريم.

وفي هذا المجال فقد قرأت مقالا مطولا لأحد المحامين الكبار، بيّن به إن صورة المحامي لدى الرأي العام، تتأثر كثيرا بطريقة ممارسته لعمله، وتمثيله لقيم العدالة وحقوق الإنسان. وأضاف بأن المحاماة مهنة مستقلة ومن يمارسها بشر وأناس عاديون قد يسيئون استغلالها، رغم أن الكثيرين منهم يتعاملون بأخلاق وشرف الخدمة.

وفي موقع آخر كتب أحد المحامين قائلا : عندما فكرت بالدخول إلى عالم المحاماة، نصحني أحد الأصدقاء بالابتعاد عن هذه المهنة بحجة أنني لست مراوغا ولا أصلح لها. ولكنني سرت في طريقي متمسكا بشرف المهنة، وساعيا للوقوف بجانب الحقيقة، في كل ما يعرض علي من قضايا، لا سيما وأن بعض المحامين الأفاضل أرتقوا بالمهنة، وسجلوا صفحات ناصعة في تاريخ المحاماة.

ومع تقديري الشخصي لمهنة المحاماة، وللعديد من المحامين الأفاضل الذين تعاملت معهم، ونشأت بيني وبينهم صداقات شخصية، لما لمسته منهم من صدق وأمانة وحسن تعامل. إلاّ أنه على العكس من ذلك فقد سمعت قصة من أحد الأصدقاء، تخالف ما عهدته بالمحامين الشرفاء، علما بأن فاعلها لا يمثل إلاّ نفسه. ولكنني سأوردها هنا باعتبارها قضية عامة يواجهها الكثيرون في هذا المجتمع.

يقول الصديق الذي يعيش خارج مدينة عمان، أنه قبل بضعة أعوام زارني في مكتبي الخاص رجل كبير السن، ترافقه زوجته وابنه الشاب البالغ والمتزوج، وعرّفني على نفسه بأنه محامي ولديه مكتب محاماة يمارس عمله اليومي من خلاله. ثم طلب مني تأجير ابنه شقة سكنية أملكها.

ونظرا لكبر سن الرجل وعلى افتراض أنه محاميا محترما، يعرف ما للمستأجر وما للمؤجر من حقوق وواجبات، وافقت على طلبه، وتم توقيع عقد الإيجار السنوي من قبل الطرفين المالك والمستأجر، ووقع الوالد المحامي كشاهد على العقد. وتم الاتفاق على أن يتم دفع الأجرة شهريا بدلا من سنويا، تسهيلا على المستأجر.

سكن المستأجر في الشقة المتفق عليها، ودفع الأجرة للشهر الأول ثم للشهر الثاني، وبعدها توقف عن الدفع رغم مطالبات المالك وتوسيط والده لدفع المطلوب ولكن دون نتيجة. اضطر صديقي كما قال لرفع دعوى لدى محكمة الصلح لإخلاء المأجور، ودفع ما يترتب عليه من مستحقات.

بُلّغ المستأجر بالدعوى وموعد الجلسة الأولى، فكلف المحامي الوالد أحد المحامين من مكتبه ليترافع في القضية، ويقنع المحكمة بأن ابنه كان قد دفع الأجور المستحقة خلافا للواقع، ثم سمىّ شاهدين لم يكن لهما أي علاقة بالموضوع، وراح يماطل بالإخلاء ليبقي ابنه في السكن دون دفع الأجرة.

قدم محامي المالك بيناته التي اقتنعت محكمة الصلح بها، ورفضت ادعاءات المحامي وكيل المستأجر، ثم أصدرت حكمها بإخلاء المأجور، ودفع المستحقات المترتبة عليه. فقام وكيل المستأجر بتقديم استئناف للدعوى رغم معرفته بحقيقة الأمر، واستمرت الجلسات لعام كامل، ولكن محكمة الاستئناف أيدت قرار محكمة الصلح، وحددت موعدا لإخلاء المأجور، ودفع ما يستحق عليه من أجور حتى تاريخ معين، وإلا سيتم الإخلاء بالقوة الجبرية.

إلا أن المحامي الوالد والخبير بأمور المحاكم، شجّع ابنه على عدم الاستجابة لقرار المحكمة، والبقاء في السكن مجانا، حتى اليوم الأخير من المهلة المحددة قبل التنفيذ، حيث قام بإخلاء عائلة ابنه خلسة قبل طلوع الفجر إلى مكان مجهول.

أصدرت المحكمة تعميما لدائرة التنفيذ القضائي، بإلقاء القبض على المستأجر المتخلف عن دفع الأجرة. وهنا استعمل المحامي الوالد خبرته المتميزة في مثل هذه القضايا، وطلب من ابنه عدم مغادرة سكنه الجديد، ليقوم هو بتأمينه مع عائلته بمستلزماته المعيشية، خوفا من القاء القبض عليه وسجنه إذا لم يلتزم بالدفع.

وفي الختام يتساءل صديقي : أين دور نقابة المحامين، تجاه هذا المحامي وأمثاله، الذين لا يخافون الله، ويسيئون لزملائهم ولمهنة المحاماة بشكل عام، فيأكلون حقوق الناس بدلا من حمايتها، كما تفرض عليهم أدبيات المهنة الشريفة ؟

مقالات ذات صلة