
عاصمة مصر الجديدة.. لمن ؟
تحت عنوان “فيل في الصحراء: مصر تحضر لافتتاح عاصمتها الكبرى الجديدة”، علقت مجلة “إيكونوميست” في عددها الجديد على جدوى عاصمة جديدة لا يستطيع الناس التي بنيت من أجلهم العيش فيها.
وقالت إن القاهرة هي العاصمة المعروفة بمدينة الالف منارة. إلا أن العاصمة التي ستحل محلها ليس فيها سوى أربع منارات، وأبراج بيضاء نحيفة لمسجد “الفتاح العليم”، وهو جزء من عاصمة بنيت في الصحراء على بعد 49 كيلومترا من القاهرة.
وافتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي المسجد هذا الشهر مع أن العاصمة الجديدة خالية من السكان.
وتم نقل طلاب اختارتهم الحكومة من جامعة القاهرة عبر حافلات لصلاة الجمعة الأولى في العاصمة في 18 كانون الثاني (يناير). ومثل الجامع، فالعاصمة الجديدة التي لا اسم لها بعد، فخمة وفارغة ويتم التحكم بالداخل والخارج منها بشدة. وتضيف المجلة أن السيسي ليس أول حاكم مصري يقوم بنقل العاصمة. فقبله نقل الفراعنة حكمهم إلى طيبة وممفيس مثلا. وكانت الإسكندرية قلب مصر الرومانية-الإغريقية. أما العاصمة الحديثة فتعود إلى عام 969 عندما قام الفاطميون ببناء عاصمة مسورة لتخليد انتصارهم. وبعد ألف عام لا تزال “القاهرة-مدينة النصر” صاخبة ومزدحمة يعيش فيها 23 مليون نسمة. وكان الديكتاتور المخلوع حسن مبارك يفضل الحكم من منتجع شرم الشيخ الوادع. وبعد خمسة أعوام من السيطرة على الحكم بانقلاب يحضر السيسي للانتقال. وعندما يتم الانتهاء منها هذا إن اكتملت فستكون مساحتها 700 كيلو مترا مربعا، اي بحجم سنغافورة.
وبدلا من العشوائيات المزدحمة والأزقة المتداعية فالمدينة الجديدة شوارعها واسعة ومشجرة وبناياتها عالية. وتم بناء أكبر كاتدرائية في الشرق إلى جانب المسجد. وتقوم شركة صينية مملوكة من الحكومة ببناء المنطقة التجارية وأعلى ناطحة سحاب في إفريقيا. ومن المفترض أن تخفف العاصمة الجديدة الزحام في القاهرة لكن البعض يقول إنها من أجل زيادة غرور السيسي. ولا أحد يعرف كلفة بناء العاصمة الجديدة خاصة أن الكلفة الأولية كانت 45 مليار دولار. وبنفس السياق لا يعرف أحد الكيفية التي ستدفع فيها مصر الدين. ولاحقت المشروع منذ بدايته في عام 2015 المشاكل المالية. وألغيت محادثات حول البناء مع مجموعة “إعمار” الإماراتية وكذا مع شركة صينية كان من المفترض أن تبني منشآت بكلفة 20 مليار دولار. ودخل الجيش المصري كما هو الحال لملء الفراغ. ويملك الجيش 51% من أسهم الشركة التي تشرف على المشروع فيما تملك الحصة الباقية وزارة الإسكان. وسيتم افتتاح مرحلة متواضعة من المشروع هذا العام ويأمل أن ينتقل البرلمان إلى العاصمة الجديدة في الصيف. وسيتبعهم 50.000 من الموظفين البيروقراطيين أي أقل من 1% من العاملين في القطاع العام. إلا أن السفارات الأجنبية مترددة في التحرك إلى العاصمة التي لا تزال صحراء. وتخشى من التحرك إلى عاصمة “بقيادة للجيش” يعني قطعهم عن المجتمع المدني. وحذرت حكومة السيسي أنها لا تستطيع ولن تؤمن السفارات التي ستظل في القاهرة.
أما السؤال المهم والأكبر فهو عن انتقال المصريين إلى العاصمة. فمنذ السبعينات من القرن الماضي قامت الحكومات المتعاقبة ببناء مدن في الصحراء لتخفيف الزحام. واحدة هي القاهرة الجديدة التي تقع في شرق العاصمة الحالية وكان من المفترض أن تستوعب 5 ملايين نسمة، ولم يسكنها سوى عشر العدد. فالمدن الجديدة ليس فيها وظائف أو خدمات لكي تجلب إليها السكان الجدد. وتحول عدد منها إلى ملاجئ للأغنياء المصريين الذين يفرون من تلوث وزحمة القاهرة. ومع أن العاصمة الجديدة ستتوفر فيها الوظائف إلا أن نسبة قليلة من عمال الخدمة المدنية لديهم الإمكانيات للعمل والسكن في العاصمة الجديدة. ويحصل الموظف المدني على معدله 70 دولار في الأسبوع (1.247 جنيها مصريا). وفي العام الماضي صنفت وزارة الإسكان أسعار الشقق في المدينة بسعر 11.000 جنيه مصري للمتر المربع. وسيحصل موظفو الدولة على تنزيلات وهناك خطط لتوفير شقق بسعر أقل من 285.000 جنيه. ولا يقدم هذا فرصا لـ 2.1 من الموظفين البيروقراطيين ولا العدد من العمال لكي يديروا المدينة. وفي يوم 25 يناير مرت الذكرى الثامنة على الثورة المصرية التي أطاحت بمبارك وتذكر وزير خارجيته أحمد أبو الغيط كيف راقب الاضطرابات من شرفة مكتبه بالقاهرة. وسيجد المصريون الذين يريدون مواجهة الحكومة أمام عقبة السفر إلى العاصمة الجديدة، ويبدو أن هذا جزء من الخطة.
” المصدر : الأكينومست “