قصة الرجل الذي تجلب فكرته لشركة “ديزني” 3 مليارات دولار سنويا

كان أندي موني يقف في صف مُنتظراً دوره لدخول حلبة للتزلج على الجليد في مدينة فينيكس، عاصمة ولاية أريزونا الأمريكية، عندما واتته لحظة إلهام بفكرة، لا يزال تنفيذها يُدِرُ على شركة “ديزني” العملاقة لخدمات الترفيه ما يزيد على ثلاثة مليارات دولار سنوياً.

حدث ذلك في عام 2000، في أعقاب اختيار موني رئيساً لقسم المنتجات الاستهلاكية في شركة “ديزني”.

في تلك الفترة، كان هذا الرجل يعمل بجد ليصل إلى المستوى المطلوب في كل مجالات عمله في “ديزني”، التي انضم إليها بعد 20 عاماً قضاها مع شركة “نايكي”. وشملت هذه الجهود التوجه لمشاهدة أحد عروض “ديزني على الجليد”، التي يُصوّر فيها متزلجون شخصيات من عالم ديزني.

وبينما كان يقف في الصف انتظاراً لدخول مكان العرض، لاحظ الرجل أن الكثير من الفتيات الصغيرات الواقفات معه وأمهاتهن كذلك يرتدين أزياءً من تلك التي تجعلهن يُشبهن الأميرات، وذلك حتى يَبدون كبطلات “ديزني”، من أمثال “سنووايت” و”سندريلا” و”أورورا” بطلة قصة “سليبينغ بيوتي” (الجمال النائم).

في ذلك الوقت، لم تكن “ديزني” تُصنّع مثل هذه الأزياء أو تبيعها، وهو ما جعل موني – الذي يبلغ من العمر الآن 63 عاماً – يدرك أن الشركة تهدر بذلك فرصة الاستفادة من حيلة تسويقية مُربحة على نحوٍ لا يصدق.

ويتذكر الرجل تلك اللحظات بالقول “كنت أقف في الصف مع الأمهات وبناتهن، وكلهن يرتدين – من قمة الرأس حتى أخمص القدم – ثياباً تبدو عليها الفخامة، صنعنها في المنزل وتجعلهن يبدون كالأميرات”.

ويواصل موني تذكره لما حدث وقتذاك قائلاً “سألت بضعاً من الأمهات `إذا أنتجت ديزني فساتين مثل هذه ووضعت عليها علامتها التجارية هل ستُقدِمن على شرائها؟` وكلهن أجبن بالقول إنهن سيشترين الكثير منها في هذه الحالة”.

ويستطرد بالقول “لذا هرعت عائداً إلى مدينة بوربانك (حيث مقر ديزني في ولاية لوس أنجليس) وأطلقنا خط إنتاج سلسلة (فساتين) أميرات ديزني بسرعة كبيرة”.

ولم يكتف موني وفريقه بإنتاج فساتين تعتمد في تصميماتها على تلك الثياب التي ترتديها الشخصيات النسائية الأكثر شهرة في عالم ديزني، بل شرعوا في إنتاج كل شيء يَمُتُ بصلةٍ لعالم هذه الشخصيات، من كتبٍ ودمى ومجلاتٍ وألعاب كمبيوتر وأردية نوم وأوعية تُوضع فيها وجبات الغذاء الخاصة بتلك الشخصيات.

كما أبرم الفريق علاقات شراكة وتعاون في هذا الشأن مع بعض الشركات المُنتجة للأغذية.

كانت الفكرة وراء ذلك، الشروع في بيع كل ما يمكن أن يروق شراؤه للجمهور المُحب للشخصيات النسائية الموجودة في عالم ديزني، سواء كان المشترون صغاراً في السن أم كباراً، عبر تقديم منتجاتٍ تخص إحدى هذه الشخصيات أو جميعها.

ويقول موني “بحلول نهاية عام 2001، بلغ حجم مبيعات مختلف خطوط الإنتاج الخاصة بالمتعلقات المرتبطة بأميرات ديزني ما يصل إلى 300 مليون دولار. أما الآن فيفوق هذا الحجم ستة مليارات دولار سنوياً”.

المفارقة أن هذا الضرب من النجاح في الحياة لم يكن هو ذاك الذي كان ربما قد راود موني عندما نشأ وشب عن الطوق في مجمعٍ من الشقق التي توفرها الحكومة في بلدة ويتبرن الاسكتلندية الصغيرة.

وكان ابناً لعامل مناجم، وترك المدرسة وعمره 16 عاما ليتدرب على العمل محاسباً في مصنعٍ للإطارات يخص أسرته.

لكن من هذه البداية المتواضعة، شق موني طريقه ليقوم بدور رئيسيٍ في نمو شركة “نايكي” الأمريكية للأحذية والملابس الرياضية. كما أنه يتولى الآن – بعد تحقيقه النجاح في “ديزني” – منصب الرئيس التنفيذي لـ “فيندر”، وهو ما يمثل بالنسبة له “وظيفة أحلام”، حيث أنه شغف بالعزف على الغيتار منذ أن كان مراهقاً.

فبعد أن قضى سنوات في مصنع الإطارات، انتقل موني للعمل في وظيفة مشابهة لا تحظى بأي بريق، اضطلع فيها أيضاً بدورٍ محاسبيٍ قليل الشأن في مصنعٍ للحديد في بلدته الاسكتلندية.

وفي عام 1980، أي عندما كان يبلغ من العمر 25 عاماً، قطع خطواته الأولى صوب قمة عالم الشركات والمؤسسات الاقتصادية في الولايات المتحدة، عندما تقدم لشغل وظيفة المسؤول عن الشؤون المالية لأنشطة وعمليات شركة “نايكي” في المملكة المتحدة، وهو مسعى كُلِلَ بالنجاح.

ويقول موني إن الأسئلة التي طُرِحَتْ عليه في مقابلة التوظيف الخاصة بالعمل في “نايكي” لم تتضمن على الإطلاق أي شيء يتعلق بخلفيته في مجال المحاسبة، بل كان الأمر كله يرتبط بما إذا كان “مناسباً من الوجهة الثقافية” لهذا الموقع الوظيفي أم لا.

في ذلك الوقت، كانت “نايكي” معنيةً في الأساس ببيع أحذية الركض، لذا قرر موني – كما يقول – أن يحول اهتماماته الرياضية من ممارسة كرة القدم إلى الركض، وذلك حتى يتسنى له أن يفهم طبيعة نشاط الشركة ومنتجاتها على الوجه الأمثل.

تبلغ الأرباح التي تجنيها "ديزني" الآن من سلسلة الأزياء والمقتنيات الخاصة بـ "أميرات ديزني" ما يُقدر بثلاثة مليارات دولار سنويا
تبلغ الأرباح التي تجنيها “ديزني” الآن من سلسلة الأزياء والمقتنيات الخاصة بـ “أميرات ديزني” ما يُقدر بثلاثة مليارات دولار سنويا. 

وأضاف بالقول “اخترت العدو منذ أن التحقت بالعمل في الشركة، ولم أتخل عنه حتى الآن، إذ أشارك في مسابقات ماراثون تُقام في أنحاءٍ شتى من العالم”.

ومع أن المسؤوليات الوظيفية لـ”موني” كانت تتعلق بالشؤون المالية، فقد بدأ رؤساؤه يعجبون بموهبته الغريزية على صعيد تحديد أيٍ من أنواع الأحذية التي تنتجها الشركة سيُباع – على نحوٍ خاصٍ – أكثر من غيره، وما هو السبيل الأمثل الذي يُمَكِّن “نايكي” من بيع كمياتٍ أكبر من هذا النوع كذلك. وبلغ هذا الإعجاب حداً دفع بالفرع البريطاني للشركة إلى جعله مديراً للتسويق في عام 1982.

وبعد عامين فحسب، أقنعه فريق التسويق في المقر الرئيسي لـ”نايكي” بولاية أوريغون الأمريكية بأن يصبح رئيس قسم التسويق.

وخلال فترة عمله في هذه الشركة، كان موني هو المحرك الرئيسي وراء إطلاقها أنواعاً من الأحذية الرياضية ذات السمات المختلفة عن إنتاجها المعتاد والتي لا تُنتج سوى بكمياتٍ محدودة. وومضت الفكرة في ذهن الرجل عندما كان متوقفاً بسيارته أمام مجموعة من إشارات للمرور في تقاطعٍ للطرق.

ويتذكر موني هذه اللحظة بالقول “كنت قد حققت نجاحاً نسبياً، وهو ما جعل بمقدوري شراء سيارة مستعملة في حالة متردية للغاية، من طراز بورش 924. ثم وجدت فتى وقد توقف بجانبي بسيارته الـ `بورش 924`، ولكنها كانت ذات لونٍ أصفر براق. قلت لنفسي وقتها `ما هذا بحق السماء؟` ثم اكتشفت أن تلك السيارة تنتمي إلى فئة خاصة محدودة العدد من الطراز الذي استقله أنا أيضاً. وتساءلت عما إذا كان هذا الأسلوب يمكن أن يُؤتي ثماره مع الأحذية كذلك. وقد مثّل ذلك نجاحاً كبيراً”.

ويقول أندي موني إن “ديزني” فاتحته للعمل لديها بعد 20 عاماً قضاها في “نايكي”، ليغادر تلك الشركة المتخصصة في الأحذية والملابس الرياضية في عام 2000 من أجل مواجهة تحدٍ جديد، إذ تولى منصب المسؤول عن قسم “المنتجات الاستهلاكية”.

وظل موني يعمل في “ديزني” 11 عاماً، قبل أن يتركها للعمل 26 شهراً فقط كمديرٍ تنفيذيٍ في شركة “كويك سيلفر” للملابس الرياضية. ويقر الرجل بأن الأمور هناك لم تسر – للمرة الأولى – على ما يرام بالنسبة له. ولعل من المهم أن نشير إلى أن الشركة كانت تعاني – عندما انضم موني إليها – من ديونٍ تفوق مليار دولار.

أعقب ذلك جلوسه على قمة الهرم الإداري في “فيندر” في عام 2015، وهو موقعٌ وظيفيٌ يصفه موني بأنه “شرفٌ” بحق بالنسبة لشخصٍ لديه مجموعةٌ تضم أكثر من 40 غيتارا.

في تلك الفترة، كانت الأرباح السنوية لـ”فيندر” تبلغ – كما يقول موني – رقماً جيدا للغاية يصل إلى 500 مليون دولار. وهكذا سعى هذا الرجل إلى المساعدة على زيادة ذلك الرقم، من خلال تقليل عدد الأشخاص الذين يكفون عن محاولة تعلم العزف على غيتار خاص بهم.

وبحسب موني، يعاني هذا المجال من مشكلة عدم احتفاظ كثيرٍ من المشترين بالغيتار، قائلاً “تذهب نحو 45 في المئة من الغيتارات التي نبيعها إلى من يشترون هذه الآلات للمرة الأولى؛ ونصفهم من النساء، ولكن 90 في المئة من إجمالي العازفين الجدد على هذه الآلة يتخلون عن آلاتهم في العام الأول” للشراء.

ولمساعدة عدد أكبر من الناس على تعلم كيفية عزف الغيتار، وهو ما يجعل من المحتمل أن يُقْدِموا على الشراء، أطلقت الشركة العام الماضي دروساً تعليميةً على الإنترنت تحمل اسم “فيندر بلاي”، يبلغ عدد مستخدميها حالياً نحو 70 ألف شخص.

يقول مارك ريتسون الأستاذ المساعد لعلم التسويق في كلية ملبورن لإدارة الأعمال “أندي موني رئيسٌ تنفيذيٌ استثنائيٌ. إذ أن لديه خلفيةً تسويقيةً قويةً، وقد أثبت مهارته أولاً في فهم العملاء الذين تستهدفهم شركته، ثم في الانتفاع بهذه المعرفة في تنويع إيرادات الشركة وتنميتها”.

ويضيف ريتسون أن دور موني في “فيندر” سيتمثل في تكرار هذا النموذج الناجح مرة أخرى، مُشيراً إلى أن هذا الرجل لم يكن يتأذى من “حقيقة أنه يمارس العزف على غيتار” متواضع الحال.

وفي الأوقات التي لا يكون فيها مشغولاً بالعمل، ينخرط موني في عزف الغيتار مع بعض ممن يعتبرهم أبطالاً بالنسبة له في العزف على هذه الآلة الموسيقية، مثل توم موريلو من فريق “رايدج أغينست ذا ماشين”، وجيم روت من فريق “سليبنوت”.

وقد انتقل من الإقامة في اسكتلندا إلى حي “هوليوود هيلز” الراقي والأنيق في لوس أنجليس.

ويختتم هذا الرجل حديثه بالقول “إنني بحاجة لأن أقرص نفسي”، حتى يتأكد ربما من أن ما يعيشه في الوقت الحاضر هو واقعٌ فعليٌ وليس حلماً.

مقالات ذات صلة