ياسر، تعلّمت صعيدي فين! .. ماهر العريف

 

حرير – “إنتَ مين؟ وجيت القاهرة إزاي؟ وتعلّمت صعيدي فين؟”، هكذا سألت المذيعة لميس الحديدي الفنان ياسر المصري خلال استضافته وفريق فيلم “كف القمر” في برنامجها على فضائية “سي بي سي” المصرية.

كان ياسر ذائع الصيت في الأردن ودول الخليج والعراق وسوريا واليمن وعواصم عربية وفي المهجر بسبب أدواره في الدراما البدوية، مع ذلك أجابَ بهدوء ولم يبدِ إنزعاجاً من طريقة طرح الأسئلة، حتى أن مخرج الفيلم خالد يوسف تدخّل وتحدث عن حضور بطله الأردني في أعمال تاريخية سابقة، شاهدَ أحدها، وأُعجِبَ بأدائه، وعرضَ عليه شخصية “ضاحي” في “كف القمر”، ووصفه بأنه “مكسب كبير”.

تحدثت مع ياسر بعدها، حاولت “جس نبضه” حول تداعيات المقابلة التلفزيونية الأولى على الهواء مباشرة في القاهرة ارتباطاً بإطلالته الجديدة في الدراما المصرية، كان متفهمّاً ورأى أنه من حق الإعلام في مصر تسليط الضوء على فناني بلدهم المعروفين أولاً. وقال في تصالحٍ مع ذاته: “يبدو أنني مازلتُ مجهولاُ بالنسبة لهم”. أضاف: “نحن في الأردن ليس لدينا سوى عدد قليل من الفنانين الأردنيين، مع ذلك لا يحصدون الاهتمام المطلوب”.

لم يحصد الفيلم إقبالاً جماهيرياً محفزاً بسبب انعكاس الأحداث في مصر على السينما عموماً، لكنّ النقّاد تحدثوا جيداً عن ياسر المصري حتى أن الكاتب المعروف طارق الشناوي الذي لا يتوانَ عن مهاجمة جوانب الخلل عادة، قال في تعليقه على الفيلم عندما استضافته لميس الحديدي نفسها بعد فترة: “ياسر دَه مصري في تقاسيمه، ومعايشته الشخصية، وما حدش يشك إنه مش صعيدي”.

كان ياسر لا يخفي انتظاره فرصة جيّدة ثانية في مصر، ليس انتقاصاً من قيمة الأعمال التي يقدمها في الأردن، لكن لا أحد يرفض حضوراً لائقاً في “هوليود الشرق”. بجرأة أكثر، كان يحلم ببطولة عمل في مصر.

التقى ياسر المنتجة دينا كُريِّم على هامش فعاليات مهرجان “تايكي” في البحر الميت، ودعته للإقامة في القاهرة بصورة دائمة حتى ينخرط تماماً في الوسط الفني هناك، ولا يغيب عن عيون القائمين على الأعمال، أبلغها بلطفٍ جم دون تردد أنه لن ينتقل وأسرته خارج الأردن، ويُمكن التواصل معه هاتفياً بصورة مباشرة، أو عبر مكتب أعمال في مصر.

بعدها بأسابيع اتّصلت دينا كُريِّم بياسر وتحدثت معه عن دور وصفته بأنه “معقد”، وطلبت منه السفر فقط من أجل إجراء تجربة أداء مع الملابس، وأن يصبغ شعره باللون الأبيض المائل إلى الفضيّ. قرأ ياسر نص الشخصية، وكان خائفاً بين قبولها أو الاعتذار. الدور مهم، لكنه حسّاس بالنسبة لممثل “وافد” يريد حفر اسمه في مصر، حَسمَ أمره في النهاية ووافق.

خلال التصوير تحدثت وسائل إعلام مصرية عن “تعطيل” ياسر التنفيذ بداع عدم اتقانه اللهجة “القاهرية”، الأمر الذي نفته دينا كُريِّم فوراً، وأطلقت على الفنان الأردني لقب “فارس الرهان” على غرار “فارس الدراما البدوية” المرتبط باسمه دائماً وربما أبداً.

ظهرَ ياسر في المسلسل بدور “علي الميري” الضابط المتغطرس في جهاز سري، المُدافع بقوة وشراسة عن نظامٍ سياسي سابق، على عكس الصعيدي المطحون في فيلم “كف القمر”، وتفوّق هذه المرة على بطل المسلسل أمير كرارة بشهادة الأخير نفسه الذي وصف مشهد التعذيب بأداء ياسر بأنه “يُدرّس”، وزاد بأن هذا الممثل أبهره، وكان يجعله يتسمّر في “اللوكيشن” وهو يتابعه.

واجه العمل ظروفاً أدت إلى تأجيل استكمال تصويره بعد ترويج كبير، وعند بثه في رمضان 2013 خانه التوقيت، وذهبَ تركيز الجمهور إلى الممثلة التركية سونجول أودن “نور” في إطلالتها الأولى ضمن عمل عربي، لكن للمرة الثانية يحصل ياسر على إشادات واسعة من النقّاد.

بعد شهور، وصل ياسر دور “أبو اليزيد” في مسلسل “دهشة” مع الفنان الكبير يحيى الفخراني، هذه الخطوة كانت الأصعب بين 6 محطات في مصر، شخصية مركبّة تعتمد على الصوت والأداء من الداخل أكثر من الشكل، وهي ند تماماً لشخصية “الباسل الباشا” التي يقدمها الفخراني ومع فنانين لهم وزنهم بينهم نبيل الحلفاوي وفتحي عبد الوهاب، ومن تأليف “المتصوّف” الدرامي عبد الرحيم كمال. وقتها قال ياسر “هذا أكبر تحدٍ واجهني في الفن”.

“أبو اليزيد” كان تذكرة المرور الحقيقية جماهيرياً وإعلامياً وحتى من قبل زملاء ياسر الفنانين في مصر. الممثل الحلفاوي بمكانته وقيمته قال بالحرف: “دَه فنان من العيار الثقيل، أنا أتمنى اشتغل معاه تاني”، حتى أن فريق عمل “أمر واقع” العام الماضي طلبوا من الحلفاوي التواصل مع ياسر للمشاركة لكن الأخير اعتذر لارتباطه بتصوير “هارون الرشيد”.

عام 2015 أطلّ ياسر بدور شخص “سيناوي” غامض ويشبه الأب الروحي للمنطقة في مسلسل “العهد”، وكان حجز مكانه بقوة وثبّت حضوره، لكن المفاجأة جاءت عندما كلّمه الكاتب المعروف وحيد حامد وطلب منه إجراء “تيست” لأداء شخصية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في “الجماعة 2” واسنبدلوه بممثل من مصر كان الدور بحوزته بسبب عدم قدرته على التعامل مع “ثِقل” الشخصية، ورغم هجوم كاسح واجهه من فنانين وإعلاميين لاسناد دور “زعيم” مصري لممثل غير مصري، احتفظ ياسر بهدوء التركيز في موقع التصوير وقال عند سؤاله: “لا أسمع سوى تعليمات المخرج”.

حقق ياسر في “الجماعة 2” قفزة فنية له، لم يعد أحد لا يعرفه، تلقى عديد النصوص، كان يحتفظ بعدد منها في صندوق سيارته، اعتذر عن أغلبها لأنه حسب قوله لا يريد حرق نفسه، وقَبِلَ ظهوره كضيف شرف في مسلسل “أريد رجلاً 2” إكراماً لابن بلده إياد نصار أولاً، فضلاً عن تحقيق الجزء الأول أصداء واسعة.

كان ياسر يكبر وينجح أكثر في مصر، لكنه كان يُدرك أيضاً أنه يكبر في السن وأن نجومية الفنان إلى تراجع مع تقدمه في العمر، خصوصاً أنه رفض الإقامة خارج وطنه، لو فعل ربما حقق نجومية مضاعفة ووصل إلى “بطولة مطلقة”.

في موقع تصوير أحد الأعمال، أخرج نصّاً من حقيبة جلد كانت معه، وقال: “هذا حلمي الحقيقي”. كان مكتوباً على النص عنوان عمل غير واصح، شطبه بقلم يحمله في يده وكتب عليه “قلب الحُر”، وأضاف بأنه مسلسل بدوي ملحمي من نوع محتلف ولا يشبه نهائياً كل ما قُدِّم.

إذاً، ورغم ما كان يحققه ياسر في مصر وحتى في أعمال خليجية وأخرى عربية مشتركة، ظلّ حلمه المؤجل إنتاجه مسلسل بدوي (من حيت إنطلق)، وسعى إلى ذلك بتصوير حلقة تمهيدية قبل عامين مع المخرج محمد لطفي ومجموعة ممثلين، وتواصلَ مع قنوات دون اتفاقات نهائية، حتى انه عاد وكرر الحلم ذاته خلال آخر لقاء على شاشة التلفزيون الأردني صبيحة يوم رحيله، ودعا إدارة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون إلى تبنّي المشروع.

هل كان ياسر يريد أن يُصبح حُرّاً بعدما استهلكه قائمون على أعمال بدوية بصورة “زائدة عن الحد”، ولم يشعر رغم كل هذا بوجود غطاء آمن للفن؟

سألت ياسر مباشرة على هامش تواجده في مهرجان “طقوس” المسرحي الأخير عن مآل “حلمه” فقال إنه مازال مؤجلاً، وكرر بأنه يدرك ﺗﺮﺍﺟﻊ ﺍﻟﻨﺠﻮﻣﻴﺔ ﻣﻊ ﺗﻘﺪﻡ ﺍﻟﻔﻨﺎﻥ ﻓﻲ السن، ﻭتحدث لأول مرة (رغم أنه كان في أواخر الأربعينات من عمره) عن ﻋﺪﻡ ﺷﻌﻮﺭ ﺍﻟﻔﻨﺎﻥ ﺑﺎﻷﻣﺎﻥ في آخر حياته، وحمله هواجس بشأن ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﻋﺎﺋﻠﺘﻪ ﺑﻌﺪ ﺭﺣﻴﻠﻪ.

ياسر “ﻧﺠﻢ ﺍﻷﺭﺩﻥ” ﺍﻷﻭﻝ (ﻣﻘﺎﺭﻧﺔ ﺑﺄﺳﻤﺎﺀ ﺃﺧﺮﻯ ﺍﻧﺘﻘﻠﺖ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﻗﺎﻣﺔ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ) يقول ذلك، فماذا عن فنانين كانوا يجدون فيه “أيقونة” لترويج الدراما الأردنية؟ ماذا عن حال الفن الأردني المرفوع عنه غطاء الدعم الرسمي و”المضروب” بدواخله؟

مقالات ذات صلة