إسقاط الحق الشخصي والعفو العام يهدران العدالة بقضية الطفلة “بيان”

نقضت محكمة التمییز قراراً لمحكمة الجنایات الكبرى، بتخفیض عقوبة أب قتل طفلته حرقا، إلى النصف من 24 عاما إلى 12 عاما، بعد إسقاط والدة الطفلة وشقیقھا حقھما الشخصي.

واعتبرت محكمة التمییز في قرارھا الصادر أول من أمس أنه ”نظرا لظروف الدعوى وملابساتھا وماضي المتھم المحكوم سابقا، وكشف إسباقیاته وبشاعة الجریمة وطریقة تنفیذھا بابنته القاصر لا تبرر أخذه بالأسباب المخففة التقدیریة، إلى ھذا الحد الذي قضت به محكمة الجنایات الكبرى مما یتعین نقض القرار“.

وكانت ”الجنایات الكبرى“ دانت والد الطفلة بیان (14 عاما) بجرم القتل القصد ووضعه بالإشغال المؤقتة لمدة 20 عاما، مع إضافة 4 سنوات للعقوبة الأصلیة المحكوم بھا المجرم للأسباب المشددة، لتصبح المدة 24 عاما، خفضت إلى 12 عاما مع إسقاط الحق الشخصي من قبل والدة الطفلة وشقیقھا.

وبإسقاط الحق الشخصي فإن ”قاتل الطفلة بیان“ قد ضمن فرصته ضمن قوائم المشمولین بقانون العفو العام المرتقب، والذي نصت مسودته الأخیرة والمقرة من اللجنة القانونیة في مجلس النواب على شمول جرائم القتل القصد المقترنة بإسقاط الحق الشخصي بالعفو.

وكانت قضیة الطفلة ”بیان“ والتي وقعت في كانون الأول (دیسمبر) 2015 قد أثارت الرأي العام، نظرا لبشاعتھا وما كشفته من تاریخ للعنف الأسري، الذي كان یمارسه الأب بحق أطفاله ، خصوصا وأن للمغدورة شقیقة أخرى تدعى حنین توفیت حرقا في ظروف مشابھة العام 2008 وكانت تبلغ من العمر حینھا 11 عاما، وتم اتھام الأب حینھا بقتل ابنته لكن ونظرا لعدم كافیة الأدلة تم تبرئة الأب من تھمة القتل والإفراج عنه بعد عامین من الوفاة.

وعرف عن الأب أنه من أصحاب الأسبقیات، حیث سبق أن صدر بحقه حكم من ”الجنایات الكبرى“ العام 2013 بالسجن لمدة عام ونصف بعد إدانته بجرائم سرقة وجنح حجز الحریة وحمل أداة حادة.

وبحسب وقائع القضیة الأخیرة، فإن بیان وشقیقھا یقیمان في المنزل مع والدھما كون والدتھما مطلقة ومتزوجة بآخر، وبتاریخ 12- 12-2015 عاد والد بیان للمنزل ولم یجد ابنته وعندما دخلت الابنة للمنزل أخبرته أنھا كانت على السطح لكنه رفض تصدیقھا، وانھال علیھا بالضرب بواسطة بربیش، ورغم محاولة عمة المغدورة منع الأب من ضرب ابنته إلا أنه استمر بضربھا لتخرج بعد ذلك العمة إلى الشرفة أمام المنزل لأداء صلاة المغرب وحینھا أغلق الأب باب المنزل وسكب مادة الكاز على طفلته وأضرم النار بھا“.

”الطفلة قامت بالصراخ والاستنجاد بعمھا وعمتھا لیتم خلع الباب من قبل أعمامھا بعد عشر دقائق، عندھا غادر الأب المنزل لیجد الأعمام الطفلة وحیدة تعاني الآلام وتحاول إخماد النیران التي التھمت جسدھا بسكب الماء على جسدھا في مغسلة الحمام“.

ووفقا للوقائع ”أسعف الدفاع المدني الطفلة لمستشفى البشیر حیث أخبرت الطفلة عمتھا بأن والدھا من قام بحرقھا، وفي المستشفى كانت الطفلة على قید الحیاة وبوعیھا وأخبرت الطبیب ورجل الأمن أن والدھا من قام بحرقھا وكررت أقوالھا أكثر من مرة“.

بعد خمسة أیام من مكوثھا بالعنایة المركزة توفیت ”بیان“ متأثرة بالحروق التي التھمت 80 % من جسدھا، وعلل تقریر الطب الشرعي ”سبب الوفاة بالحروق الناریة اللھیبة ومضاعفاتھا“.

وتعطي المادة 153 من قانون أصول المحاكمات الجزائیة الحق للأصول والفروع بالامتناع عن الإدلاء، وتقول المادة إنه ”تسمع شھادة أي من أصول المتھم أو الظنین أو فروعه أو زوجه ولو بعد انقضاء الرابطة الزوجیة، إلا أنه یجوز لھم الامتناع عن أداء الشھادة ضده أو ضد شركائه في اتھام واحد“.

ویبین مصدر قضائي أنه رغم أن ”الغایة من ھذه المادة كانت الحفاظ على الروابط الأسریة، لكنه وجب تعدیل ھذه المادة في القضایا المتعلقة بالجنایات الكبرى، تحدیدا الجرائم داخل نطاق الأسرة، كون ھذه المادة تشكل تعطیلا للعدالة“.

”بیان“ واحدة من مجموعة أطفال قضوا بجرائم قتل قصد أو ضرب مفضي إلى الموت على أیدي آبائھم أو أمھاتھم، وھي جرائم في غالبیتھا سیستفید بھا الجناة من قانون العفو العام المرتقب، كونھا مشمولة بالعفو، نتیجة لإقرانھا بإسقاط الحق الشخصي من قبل الورثة.

والى جانب قضیة ”بیان“، تظھر كذلك قضیة الطفلة نورا ابنة العامین ونصف التي تعرضت للتعذیب على ید والدھا حتى الموت، وإذا ما أدین الأب بجنایة الضرب المفضي إلى الموت، ومع إسقاط الحق الشخصي، أصبح والد نورا كذلك ضمن قائمة المستفیدین من العفو العام.

وكان والد نورا دأب على ”إھمالھا وعدم العنایة بھا إلى جانب عدم توفیر الغذاء المناسب وإحاطتھا بكافة أشكال الحب والحنان والعطف، حیث عمد وزوجته إلى عدم إطعام الطفلة وتغذیتھا الغذاء الملائم والكافي، وضربھا بشكل نمطي ووحشي ومتكرر الى أن توفیت نتیجة نزیف دموي حاد أو ما یعرف بمتلازمة الطفل المرتج في تموز (یولیو) 2016 ”بحسب لائحة الدعوى.

كما كانت محكمة الجنایات الكبرى أصدرت مؤخرا قرارا بإدانة والد الطفل قصي (15 عاما) بجرم القتل القصد، بعد أن قتل طفله صعقا بالكھرباء، بعد اتھامه بسرقة مبلغ مالي لشراء الدخان، ومع إسقاط والدة الطفل حقھا الشخصي خفضت العقوبة من 20 الى 10 أعوام، وفي حال مصادقة محكمة التمییز على قرار الجنایات الكبرى في قضیة الطفل قصي، فیصبح الجاني كذلك من المرشحین للاستفادة من مشروع قانون العفو العام.

مصادر قضائیة اعتبرت  أن مسألة ربط قانون العفو العام بإسقاط الحق الشخصي بالجرائم داخل نطاق الأسرة، وعلى الأطفال مخالفة للأصول القانونیة، مبینة أن ”إسقاط الحق الشخصي بھذه الحالات غالبا لیس حقیقیا إنما نتیجة ضغوطات اجتماعیة یتعرض لھا أفراد العائلة وغالبا الأم والأشقاء لإسقاط حقھم الشخصي وھم في ھذه الحالة غالبا ما یكونون مسلوبي الإرادة“.

وطالبت المصادر بضرورة التعامل مع ھذه الحالات في قانون العفو ”بحساسیة تجاه الفئات الأكثر ھشاشة، الأطفال والنساء وذوي الاعاقة“.

قالت  النائب وفاء بني مصطفى :” إنھا تقدمت بمقترح للجنة القانونیة، باستثناء الجنایات المرتكبة خلافا لأحكام قانون الحمایة من العنف الأسري للعام 2017 .″وأضافت ”لم تأخذ اللجنة بالمقترح، لكني سأقدم المقترح مجددا أمام مجلس النواب“.

ومن جانبھا اعتبرت مدیرة مجموعة القانون لحقوق الإنسان المحامیة ایفا ابو حلاوة أن العفو مخالف لمعاییر حقوق الإنسان ”لأنھ یؤدي إلى إفلات مرتكبي الجرائم ضد النساء والأطفال من العقاب ویؤدي لعدم انصاف الضحایا“، واعتبرت أن ”إسقاط الحق الشخصي لا یعني توجه أھل الضحیة إلى عدم معاقبة الجاني بالعقوبة بموجب الحق العام“.

وبینت أبو حلاوة أن ”ھذا الاسقاط أساسا تم على أساس معاقبة ھذا الشخص بموجب الحق العام، وبناء على ضغوطات مجتمعیة مورست للوصول الى اسقاط الحق الشخصي“، معتبرة انه ”سیخلق مشاكل اجتماعیة بین الجناة وأھالي الضحایا“.

وتابعت أن ”العفو في جرائم القتل التي یكون بھا الضحیة احد أفراد الأسرة یكون اسقاط الحق الشخصي تحصیل حاصل، وبالتالي أین حقوق الضحایا ومن یضمن حقوقھم؟!“.

وزادت ”قد یبدو إعطاء فرصة لغیر المكررین أمرا مفھوما، لكن العفو عن المجرمین المكررین في قضایا الجنایات یشكل خطرا حقیقیا على المجتمع“. منبھة إلى أن الأخطر ھو ”خروج المعتدي بالجرائم الأسریة، حیث یشكل خروج المعتدي خطرا على أفراد الأسرة“.

مقالات ذات صلة