الشباب الأردني: معضلات البطالة والتأهيل

 

شروق جعفر طومار

إحصائيات مأساوية تضمنها التقرير الذي نشره البنك الدولي مؤخرا حول واقع الشباب في الأردن، ربما لا يصح وصفها بالمفاجئة، فالكل يعلم أن واقع الشباب الأردني ليس على ما يرام، ولكنها بدون شك تؤكد على أن تحسين هذا الواقع لانقاذ هذه الفئة واستثمارها خارج سلم أولويات الجهات المعنية منذ سنوات ليست قليلة.

التقرير وصف الشباب الأردني بأنه “يقف على شفا الهاوية” وقال بأن 29% من الشباب الأردنيين يعانون ضعف التأهيل وافتقار المهارات، وأشار إلى أن ما يقارب ثلث شباب المملكة هم في الوقت الحاضر خارج إطار التعليم أو التوظيف أو التدريب، كما أن احتياجات وتطلعات الشباب الذين يشكلون أكثر من ثلثي مجموع السكان لا تعالج على نحو ملائم.

مشكلة افتقار الشباب في الأردن للتأهيل الكافي والمهارات اللازمة لخوض غمار الحياة العملية والمهنية كانت قد اشتكت منه أكثر من شركة ومؤسسة أردنية من كبريات شركات ومؤسسات القطاع الخاص خلال السنوات السابقة، ما يعني بأن المرض قد تم تشخيصه في السابق إلا أن النية في علاجه لم تنشأ حتى اليوم.

أسباب عديدة تقف خلف ضعف التأهيل وافتقار الشباب للمهارات التقنية والفنية، ربما من أبرزها خلو برامج التدريس الجامعي في معظمها من النواحي التطبيقية والعملية، إضافة إلى ضعف عمليات التطوير والتجديد على تلك البرامج.

ولا يقل أهمية عن تلك الأسباب التراجع الشديد في برامج التعليم المهني المدرسي، الذي تقلص الاهتمام به من قبل وزارة التربية وفي الوقت ذاته تراجع الإقبال عليه من قبل الطلبة نتيجة وجود ميل عام لدى المجتع الأردني للاتجاه نحو التخصصات الأكاديمية وهي ثقافة مجتمعية سائدة عملت على تكريسها الحكومات الأردنية من خلال الإبقاء على نفس الخيارات القائمة في وظائف القطاع العام والتي تخلو عادة من الوظائف الحرفية.

هذه الثقافة المجتمعية لدى معظم شرائح المجتمع الأردني وبالتزامن مع افتقار الشباب الأردني للتأهيل والمهارات اللازمة في المهن الحرفية خصوصاً، إضافة لضعف التأهيل في المهن الأخرى بالعموم أدت إلى مزيد من اعتماد السوق الأردني على العمالة الوافدة الأكثر تأهيلاً والأقل أجراً، وفي الوقت ذاته إلى تراجع طلب الأسواق الخارجية على الأيدي العاملة الأردنية.

وكانت أرقام صادرة عن وزارة العمل في النصف الثاني من عام 2018، كشفت عن وجود مليون عامل وافد في الأردن، و أن عدد الأردنيين العاطلين عن العمل يبلغ 300 ألف تقريباً، فيما بلغت نسبة البطالة وفقاً لآخر إحصائية لدائرة الإحصاءات العامة 18.6%، ويشير تقرير البنك الدولي المشار إليه إلى أن نسبة البطالة في أوساط الشباب تبلغ 30%.

الأرقام والنسب موجعة، إذ تؤكد على أن الثروة الحقيقية للوطن وطاقته الكامنة غير مستغلة، ولا يجري التفكير بالسبل الملائمة لاستغلالها وتوجيهها، بينما الوطن يعاني من ظروف اقتصادية وسياسية وإقليمية غاية في الصعوبة تجعله في أمس الحاجة لاستغلال إمكانياته أفضل استغلال.

مهمة صقل وتنظيم هذه الطاقات وتجنيدها لخدمة الوطن واقتصاده ومجتمعه، مهمة ممكنة وليست مستحيلة ولكنها في الوقت ذاته لا يمكن أن تتم بجهود هزيلة أو بإطلاق شعارات عاطفية.

القضية بحاجة لخطط شاملة متسقة وجهود موحدة تتشارك فيها الهيئات الرسمية ومؤسسات القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، وتبدأ بالإيمان الفعلي بأهمية الاستثمار في طاقات الشباب، لاستغلالها في إنقاذ الوطن من ما يمر به من ظروف صعبه على نواح متعددة، بدلاً من أن تنقلب هذه الثروة ذات يوم إلى نقمة تنفجر في وجه هذا الوطن بسقوطها في براثن الإرهاب أو بانجرافها خلف غواية الإدمان والجريمة.

مقالات ذات صلة