في ذكرى الاستقلال … د. موسى شتيوي

 

تأتي ذكرى الاستقلال والتي تمر علينا كل عام ، لأجدها مناسبة عزيزة لاستذكار القيم والمعاني التي قامت عليها الدولة الأردنية ، التي بداياتها سبقت الاستقلال بأكثر من عقدين.

لا بد من أن نتذكر أن جذور الدولة الأردنية تعود للثورة العربية الكبرى والنهضة العربية التي زرعت البذور للدولة الأردنية والوطن الأردني. إنها مناسبة لنتذكر فيها أيضاً التضحيات والشجاعة التي تحلى بها المؤسسون والبناة والرجال والنساء الذين ضحوا بدمائهم من أجل تأسيس الأردن.

لم تكن الثورة العربية مجرد حدث تاريخي عابر، بل كانت ولادة قيم تكرست بالمبادئ والأسس التي بنيت على أساسها الدولة الأردنية. تبني النهضة العربية ومبادئها من قبل الشعب الأردني شكّل نموذجاً عربياً فريداً للدولة العربية الحديثة الذي صمد أمام اختبار الزمن، وتجاوز الصدمات التي عصفت بالمنطقة والأردن . هذا الصمود الذي عجزت عنه العديد من الدول الشقيقة لم يأتِ من من فراغ، ولكنه كان بسبب الرؤية الثاقبة للدولة العربية المعاصرة، والتحام القيادة الهاشمية مع الشعب هي التي حملت الدولة والوطن لهذه السنين، وهي القادرة على المضي قدماً نحو التقدم والازدهار نحو المستقبل.

الأردن وريث الثورة والنهضة العربية منذ البداية، قام على الأقل على ثلاث قيم أساسية تكرست معانيها في الدولة الأردنية ، وهي التي تميزها عن غيرها من التجارب العربية في بناء الدولة الحديثة:

أولاً: النهضة العربية قامت على مبادئ تعكس الواقع الحقيقي للشعب الأردني، وهي العدالة والمواطنة وحكم القانون بين الأردنيين بصرف النظر عن خلفياتهم الاجتماعية . هذه الأسس هي التي تفتح الطريق للتعددية السياسية والديمقراطية، وهي الأسس التي تقوم عليها الدولة الحديثة عالمياً.

ثانياً: الرؤية الواضحة للشريف حسين ودعوته للوحدة والحرية، وتأكيده ودعوته للانسجام التام مع الدين وقيمه ومبادئه، التي وضعت الدين في مرتبة عليا بالنسبة لقيم الدولة الأردنية ، وكرست قيما وحالة التسامح مع الأديان الأخرى الموجودة في النسيج العربي والأردني هي حالة متقدمة أيضاً على بعض التجارب العربية التي أخذت موقفاً حاداً من الدين ، ووجدت نفسها بحالة عداء مع نسبة كبيرة من المواطنين.

ثالثاً: تركيز النهضة العربية على البعد العربي المتجذر في هذه المنطقة منذ آلاف السنين، ولكن بدون تعصب لها ودون العداء لغير العرب الموجودين على الأرض العربية . ولذلك، فإنها لم تكن إقصائية لغير العرب ، بل ركزت على المشتركات معهم سواء من باب المواطنة أو الدين .

هذه القيم التي تكرست بالدولة الأردنية من خلال دستورها وسلوكها تاريخياً ، تشكل حالة فريدة أو نموذجاً عربياً للدولة العربية الحديثة.

لا نستطيع أن ننكر أن المنطقة تمر بتحديات كبيرة، جزء منها خارجي ، كالظروف والأزمات السياسية و الإقليمية وانعكاسها على الأردن . وكذلك ، التحديات الداخلية ، كالوضع الاقتصادي وغيره ، التي تلقي بظلالها على الظروف المعيشية للشعب الأردني ، وهذا يحدث في كل الدول ، ولكن يجب ألا ننسى صمود الأردن لكل هذه السنين ، والإنجازات التي حققها ، وقدرته على تجاوز كل الأزمات التي كانت وما زالت مثار إعجاب الكثيرين . إن دولة ووطنا بهذه المواصفات قادر على تجاوز الظروف الصعبة التي تمر بها وبالوصفة نفسها، تلاحم القيادة والشعب في مواجهتها.

فهنيئاً للقيادة والشعب في عيد الاستقلال.

مقالات ذات صلة