نهاية استثنائية لترامب؟

عبد الله الشايجي

حرير- يبقى الرئيس السابق دونالد ترامب المثير للجدل حالة استثنائية نادرة في تاريخ رؤساء الولايات المتحدة الـ46. بكونه أول رئيس لم يصل إلى البيت الأبيض من خلفية الدولة العميقة والمناصب المعروفة المؤهلة للوصول للبيت الأبيض خلال العقود الطويلة الماضية، مثل مناصب نائب الرئيس، حاكم ولاية، سناتور.

لم يُنتخب ترامب لأي منصب رسمي على مستويات المدينة والمجلس البلدي والمقاطعة! أو حتى نائب وسناتور في الكونغرس الأمريكي أو نائب الرئيس! بل نزل بالباراشوت من خلفية رجال الأعمال والعقارات والكازينوهات وتلفزيون الواقع.

أعلن ترامب ترشحه عن الحزب الجمهوري عام 2015 وهزم 16 منافساً في التصفية الحزبية من أعضاء مجلس الشيوخ وحكام ولايات ومستقلين. كما سعى الرئيس السابق دونالد ترامب بفخر لتحقيق وتحويل شعاره وحلمه «لنجعل أمريكا عظيمة مجددا» باستعادة عظمة أمريكا.

أحدث فوز دونالد ترامب بالرئاسة عام 2016 برغم خسارته الصوت الشعبي لمصلحة منافسته هيلاري كلينتون بثلاثة ملايين صوت زلزالاً وصدمة سياسية واجتماعية في الولايات المتحدة الأمريكية، لتداعياته غير المسبوقة بحجمها وتمددها. قسّم ترامب أمريكا بين محافظين يمينيين وليبراليين ومعتدلين ديمقراطيين ومستقلين. وأحدث ترامب شرخاً كبيراً داخل الحزب الجمهوري لدرجة أنه اختطف الحزب وقوض هيبة ومكانة قيادات الحزب، وصار هناك ما يُعرف بجمهوريي ترامب ـ MAGA-والجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي المعادي لترامب.

كما شعرت الأقليات من أصول لاتينية وخاصة المكسيكيين بالعنصرية، بعد وصفهم باللصوص والمغتصبين. وشرع ببناء حائط يفصل الحدود الجنوبية مع المكسيك. وتعامى ترامب بعنصرية عن المسلمين الأمريكيين، بعد تطبيق ترامب أمرا رئاسيا يحظر دخول مواطنين سبع دول مسلمة إلى أمريكا! تعرض بسببها لانتقادات واسعة لقراره العنصري غير المسبوق! سارع الرئيس بايدن لإلغاء الأمر التنفيذي في اليوم الأول من رئاسته كما تعهد في حملته الانتخابية.

اكتسب ترامب شعبية بمحاربته وتصديه للدولة العميقة بجميع مؤسساتها وأجهزتها: الوزارات والهيئات السياسية والاقتصادية والأمنية والاستخباراتية! حتى أن ترامب اختلف وشكك علناً أمام الرئيس الروسي بوتين عام 2018 ـ في قمة هلسنكي في فنلندا في أول قمة بينهما بتقييم أجهزة استخباراته ـ بعدما استنتجت أن روسيا تدخلت في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016 ـ ضد منافسته هيلاري كلينتون ولمصلحته.

كما دخل الرئيس ترامب التاريخ بصفته الرئيس الوحيد الذي خضع لتحقيق ووُجهت له تهم في مجلس النواب تمهيداً لعزله مرتين، لتجاوزاته القانونية في الشأن الداخلي وحجز مساعدات مالية لأوكرانيا حتى تقدم أدلة ووثائق تدين نجل الرئيس جو بايدن لفضحه حتى لا يترشح ضده في انتخابات الرئاسة عام 2020. لكن لم يُعزل ترامب في الحالتين في مجلس الشيوخ لعدم توفر أغلبية الثلثين للديمقراطيين المطلوبة لعزل الرئيس.

واستمر سلوك ترامب الاستثنائي، في سابقة بتاريخ الانتخابات الأمريكية، رفض الإقرار بهزيمته أمام الرئيس جو بايدن في انتخابات الرئاسة، بل تجاوز الحدود وفي سابقة أخرى، حرّض أنصاره على اقتحام مبنى الكونغرس والاشتباك مع قوى الأمن، وتهديد حياة المشرعين! ووصف الانتخابات بالمزورة وشبيهة بانتخابات دول العالم الثالث.

وحاول التأثير في عمليات فرز الأصوات، ما شكل صدمة لأمريكا والعالم لعبثه وسقوط الديمقراطية الأمريكية وسمعتها، التي تحاضر على العالم باحترام نتائج صناديق الاقتراع.

كما أساء ترامب بشطحاته وقراراته الارتجالية والمستفزة لعلاقة أمريكا مع الحلفاء في أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية. ومارس التطاول وإلقاء محاضرات وضغط لزيادة الحلفاء الإنفاق العسكري، ودعم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بمواقفه الشعوبية.

وبالنسبة للقضايا العربية، برغم مخالفته الأعراف والتقاليد بتخصيص زيارته الأولى كرئيس إلى السعودية في مايو 2017 ـ وعقد قمم أمريكية ـ سعودية ـ خليجية-عربية ـ إسلامية، وتوقيع صفقات أسلحة، لكنه لم يحرك ساكنا في أعقاب قصف إيران منشآت أرامكو في ابقيق وخريص في أيلول/ سبتمبر2019 ما أثار مخاوف حقيقية حول جدية التزامه بأمن الحلفاء الخليجيين.

وانسحب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران وفرض أقصى العقوبات ـ ما ساهم باقتراب إيران اليوم من حافة الدولة النووية.

وخالف بقراره اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس عام 2020 في مطار بغداد مواقف الرؤساء بوش وأوباما اللذين تجنبا التصعيد مع إيران ـ ما شكل انتكاسة كبيرة لإيران ـ التي تعهدت بالانتقام وردت بقصف مباشر لقاعدة ـ عين الأسد الأمريكية في العراق.

لكن أخطر وأكثر قرار مستفز للعرب والفلسطينيين كان تنازلاته المجانية ومكافأته تطرف حكومات نتنياهو وتحالفه المتطرف.

اعترف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، واعترف بالجولان السوري المحتل جزءا من كيان الاحتلال، وروج بحماس للتطبيع «اتفاقات إبراهام» بين إسرائيل والإمارات والبحرين في أول اختراق إسرائيلي للعمق الخليجي، وتطبيع السودان والمغرب مع إسرائيل.

يواجه ترامب اليوم، أول رئيس سابق حزمة تهم جنائية خطيرة، لحصاد تجاوزاته، أبرزها: التحقيق في تحريض أنصاره اقتحام مبنى الكونغرس في يناير2021.

والتدخل لتغيير نتيجة انتخابات مقاطعة فولتون ـ ولاية جورجيا لمصلحته.

والاحتفاظ بوثائق فيدرالية سرية كان مفترض تسليمها للأرشيف الوطني.

وتحقيق مدعي عام نيويورك بدفعه أموالا لإسكات ممثلة أفلام إباحية في انتخابات 2016، مخالفا قانون تمويل الحملات الانتخابية. ويواجه ترامب أكثر من 30 تهمة تتعلق بالاحتيال: النصب وتجاوزات قانونية ومالية والتلاعب بسجله الضريبي في مجال الأعمال وسوء إدارة أموال مؤسسة ترامب.

سيسلم ترامب نفسه للتحقيق معه في نيويورك غدا الثلاثاء 4 ـ 4 محاطاً بقوات الحماية الشخصية والأمن وشرطة نيويورك ليمثل أمام قاض ليحدد موعد محاكمته كأول رئيس سابق تتم محاكمته لتجاوزاته.

في المحصلة النهائية ستساهم حزمة تجاوزات ترامب واتهاماته ومحاكماته لمخالفته القوانين الفيدرالية، إما بتحويل ترامب لضحية وشهيد بنظر أنصاره المتعصبين، المؤمنين أن ترامب ضحية مؤامرة الدولة العميقة! وبدأوا بالتبرع له! ما قد يشجعه على المواجهة والتصعيد، أو قد تكون نهايته وسجنه وخسارته سباق الرئاسة عام 2024، ونهايته السياسية الاستثنائية عن 77 عاماً.

مقالات ذات صلة