من زرع العلمانيين بين ظهرانينا

كتب ماجد القرعان

لا ادري ان كان السيجار كما يتخيل البعض يصنع شخصيات لها مكانتها وحضور ملفت لهم لدى العامة أو ان عملهم لفترة قصيرة والذي كان صدفة ومجرد حظ في مؤسسات بعينها كالديوان الملكي او مؤسسات اعلامية مرموقة على سبيل المثال يجعلهم من النخبة فصاحب القصة هنا لم يسبق له ان خط جملة اعلامية في أحد الشؤون أو قدم ما يُفيد حين عمل خبيرا لفترة قصيرة في بعض المؤسسات فالتنظير الذي يحترفه مكنه من التمثيل لفترة طويلة لكن هيهات ان يتمكن من الإستمرار فقد أن الوقت لكشف أوراقه .

المعني هنا وأمثاله يُصنف نفسه انه علماني يُحلل ويُحرم ما يريد ولا يحسب أدنى حساب لقيم المجتمعات ويسعى دوما الى استقطاب من يؤمنون بفكره وتوجهاته ( ليالي حمراء في مزرعته ) مستغلا تنقله من منصب الى منصب بفضل دعم تلقاه يوما ما من متنفذين انغشوا وانخدعوا به ووصل بالبعض ان اعتبروه يوما عراب الحكومات لكن وبالتدقيق في مسيرته فانه لم يُسجل له بصمة تّذكر سوى التنظير والتمثيل والقصص والحكايات هنا لا تعد ولا تحصى .

مأساة أمثاله الذي يؤمنون بفكره ونهجه على الوطن حين يتغلغلون بين ظهرانينا وخاصة في أجهزة الدولة لا تعد ولا تحصى ويأخذني الحديث عن العلمانية الى بحث كان قد كتبه د. محمد سليمان أبورمان والذي اشار الى ان الورقة النقاشية الملكية السادسة قدمت تصوّراً عميقاً توافقياً لهوية الدولة الأردنية، واشتبكت مع سجال في الأوساط السياسية والثقافية بين دعاة الدولة المدنية والعلمانيين من جهة، والتيار المحافظ من جهة أخرى.

وقال في بحثه ان الملك حدد الهوية المطلوبة بأنّها “دولة مدنية”، وعرّفها بأنّها “دولة القانون التي تستند على حكم الدستور وأحكام القانون، في ظل الثوابت الدينية والشرعية، وترتكز على المواطنة الفاعلة، وتقبل بالتعددية والرأي الآخر، وتحدد الحقوق والواجبات دون تمييز بين المواطنين بسبب الدين أو اللغة أو اللون أو العرق أو المستوى الاقتصادي أو الانتماء السياسي أو الموقف الفكري”.

وقبل ذلك، قدّم الملك مؤشرات الدولة المدنية، وهي دولة المؤسسات، وفصل السلطات؛ دولة التسامح والتعايش، وحماية الحقوق والحريات، وكفالة الحرية الدينية، وضمان التعددية وحرية الرأي الآخر.. إلخ.

واما بخصوص الجدل حول العلمانية والدين، أشارت الورقة إلى أنّ الدولة المدنية ليست مرادفة للعلمانية، بمعنى إبعاد الدين عن المجال العام، فـ”الدين عامل أساسي في بناء منظومة الأخلاق والقيم المجتمعية، وهو جزء لا يتجزأ من دستورنا”.

وأضاف هذه معالم هوية الدولة الأردنية، ومن المفروض أن نبني عليها تصوّرنا للمرحلة المقبلة. ومن المفترض أن تخرج بنا الورقة من السجال العقيم بشأن المصطلحات والثرثرة غير المفيدة، إلى المضامين الإجرائية المطلوبة. والمؤشرات التي ذكرها الملك أحسب أنّها توفّر “أرضية صلبة” لضمانات عميقة للأطراف كافة؛ العلمانيين والليبراليين ودعاة الدولة المدنية الذين يخشون على التنوع والحريات الفردية والعامة والحريات الدينية، والإسلاميين الذين يخشون على هوية الدولة، بخاصة بعد الأحداث الأخيرة ومعركة الكتب المدرسية التي ما تزال مفتوحة.

وقال ان للعلمانية والدولة الإسلامية على السواء، عشرات التعريفات، ولهما مفاهيم متعددة، قد تتضارب. فالعلمانية الأميركية ليست مثل العلمانية الفرنسية، على سبيل المثال؛ والعلمانية الهولندية لها خصوصيتها، والعلمانية التركية الأردوغانية ليست مثل العلمانية الأتاتوركية. والدولة الإسلامية الطالبانية أو الداعشية ليست مثل الدولة الماليزية أو التركية، وهكذا؛ فنحن أمام نماذج وأمثلة ومفاهيم متباينة ومتناقضة، والأفضل أن ندخل إلى ما نريده نحن ويشكّل إجماعاً وطنياً، يستنبط لنا روح الدولة وحلمها من تاريخها ومصالحها وثقافتها الاجتماعية.

واضاف ان التعريف، في نظري، واضح. الأردن ليس دولة دينية بالمعنى الثيوقراطي، أي الحكم باسم الله، ولا هي مذهبية بالمعنى المعروف في إيران، ولا هي أصولية بالمعنى الطالباني؛ هو دولة إسلامية بالمعنى المنفتح المتسامح المعاصر، وهو في الوقت نفسه ليس دولة “علمانية ثورية” ضد الدين، أو معادية للرموز الدينية والروحية، وتقوم على إقصاء الدين من المجال العام، بل دولة تقوم على منح الدين دوراً روحياً وقيمياً وتشريعياً بما ينسجم مع تطوير المجتمع وبناء الدولة والفهم الاجتهادي المنفتح.

وقال تلك القاعدة ليست جديدة، نظرياً؛ فهي التي تقوم عليها السياسة الأردنية تاريخياً. وكنت قد نشرتُ دراسة مستقلة عن هوية الدولة الأردنية، قبل أعوام، بعنوان “العلمانية المحافظة: النموذج الأردني في إدارة العلاقة بين الدين والدولة”، مستنطقاً السياسة والتشريعات والخبرة الأردنية، لأصل إلى أنّ الأردن دولة علمانية، بمعنى الفصل بين المؤسسات السياسية والدينية المعاصرة، تحترم القيم الدينية وتمنحها حضوراً في المجال العام، بما يخلق معادلة مهمة استثنائية في التوازن بين القيم الروحية والأخلاقية والدين من جهة، والحريات العامة والشخصية من جهة أخرى.

اختم هنا بهمسة وصل به الأمر ان يُقسم عباد الله بين مقبول ومرفوض وصالح وطالح … دون ان ينظر لنفسه  في المرآة لمرة واحدة  على الأقل …  وللحديث بقية ….

 

مقالات ذات صلة