أحداث من 2022 سيذكُرها التاريخ كثيراً

حرير- مع وصول العام 2022 إلى نهايته، ستذهب أي جردة لأحداث عالمية كبرى خلاله، وتركت بصمات مؤثرة على شعوب العالم ودوله، فوراً إلى أهم التطورات الدراماتيكية في أثنائه، وأبرزها الحرب الروسية على أوكرانيا التي بدأت في 24 فبراير/ شباط الماضي، وما تزال مستمرّة، وشُنّت بذريعة أن ما تخطّط له أوكرانيا يشكل تهديداً على أمن روسيا التي “لا تستطيع أن تشعر بالأمان وبالتطوّر وبالوجود” حسبما زعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ولكن هذه الحرب لم تضمن بقاء أوكرانيا خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بل ساهمت في توسيع الحلف بعد طلب كل من فنلندا والسويد الانضمام إليه، كما أفضت إلى إحيائه وتقويته، وتعزيز مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وزيادة التنسيق بين دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة لدعم أوكرانيا عسكرياً واقتصادياً.

وأودت الحرب الروسية على أوكرانيا، وكان مفترضا أن تنتهي خلال أيام، بأرواح آلاف الأوكرانيين من المدنيين والعسكريين، وإلى مقتل آلاف الجنود الروس وسواهم، كما تسببت في لجوء ملايين الأوكرانيين إلى دول أوروبا، وإحداث دمار رهيب في المدن والبلدات الأوكرانية، فضلاً عن أنها أنهكت قدرات الجيشين، الروسي والأوكراني، والتهمت معظم عتادهما العسكري، إلى جانب العتاد والأسلحة الذي قدّمها، ولا يزال، حلف الناتو لأوكرانيا، ومليارات الدولارات المقدّمة لها من دول الغرب، بغية تمكينها من الصمود أمام الآلة العسكرية الروسية.

ولم تكن هذه الحرب، منذ بدايتها، مجرّد نزاع إقليمي يدور بين دولتين متجاورتين، بل امتد تأثيرها إلى معظم دول الغرب الأطلسي والشرق الأوسط وأفريقيا، نظراً إلى تداعياتها الاقتصادية الكبيرة على هذه البلدان، وتسبّبها في أزمة اقتصادية كبرى، خصوصا في مجالي الطاقة والغذاء، حيث باتت دول أوروبا في سباق محموم مع الزمن، لإيجاد مصادر بديلة للغاز والنفط الروسيين، فيما راحت معظم دول أفريقيا والشرق الأوسط تبحث عن مصادر للمواد الغذائية، وخصوصا القمح والذرة وسواهما، منعاً لحصول مجاعةٍ قد تضرب بعض دولها الفقيرة في المستقبل القريب.

والأخطر من ذلك كله أن الحرب على أوكرانيا أنهت حقبة تاريخية لم تشهدها دول أوروبا منذ قرون عديدة، وعاشت فيها فترة سلام طويلة، بدأت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، واستمرّت أكثر من سبعة عقود ونصف العقد، بينما عاد شبح نشوب حرب نووية مدمرة يخيّم بقوة على القارّة الأوروبية جراء هذه الحرب، وخصوصا بعد تلويح مسؤولين روس بوضع القوة النووية الروسية في حالة تأهب، على خلفية النكسات التي تعرّض لها الجيش الروسي في ساحات القتال.

وسيشكل استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا التهديد العالمي الأكبر في العام المقبل وما بعده، مع زيادة انخراط الولايات المتحدة ودول حلف الناتو في جبهة واحدة مع أوكرانيا ضد روسيا، إلى جانب اشتداد الصراع مع حلفاء روسيا، وخصوصاً مع الصين. وسيزيد من حدّة التهديد الحصار المفروض إلى جانب العقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا، والتوتر القائم والمتزايد بين الولايات المتحدة والصين، على خلفية الحرب التجارية والتنافس الاقتصادي الكبير بين أكبر اقتصادين في العالم، حيث اتخذت الإدارة الأميركية سلسلة إجراءات حرمت بموجبها الصين من الحصول على تقنيات متطوّرة، إلى جانب التوتر الاستراتيجي بسبب الإجراءات العسكرية التي اتخذتها الصين ضد تايوان، بعد زيارة رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، إلى تايوان في أغسطس/ آب الماضي، إضافة إلى ما تعتبره الولايات المتحدة “عسكرة” الصين بحر الصين الجنوبي، ودعمها للحرب الروسية على أوكرانيا.

وتشكّل الاحتجاجات الشعبية الإيرانية، منذ سبتمبر/ أيلول الماضي، على خلفية مقتل الشابة مهسا أميني، معلماً بارزاً في أحداث منطقة الشرق الأوسط، لأنها من أهم التحدّيات التي يواجهها النظام الإيراني وأخطرها منذ 1979، وأظهرت مدى توق الإيرانيين لنيل حرياتهم، حيث لم يوقفها القمع الدموي للنظام، وعجزت أجهزته الأمنية والعسكرية عن إخمادها أو احتوائها، وذلك بعد أن اتسعت رقعة الحراك الشعبي وانخرطت فيه فئات اجتماعية واثنية، التفّت من دون خوف أو تردّد حول الشعار الجامع “المرأة، الحياة، الحرية”، على الرغم من مقتل مئات المحتجّين السلميين، واعتقال آلاف الأشخاص من مختلف الفئات العمرية والجندرية.

وتزامنت الاحتجاجات الإيرانية، التي لا يمكن توقع مسارها ومآلاتها، مع توقف مفاوضات العودة إلى الاتفاق النووي بين إيران والقوى الدولية، والذي كان قد جرى توقيعه عام 2015 وانسحب منه الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، عام 2018، ثم سعى الرئيس جو بايدن للعودة إليه. ويبدو أنه بات من مخلفات الحقبة الماضية، خصوصا في ظل انتفاء ممكنات إعادة إحيائه.

ويبقى الحدث الأبرز في عام 2022 مونديال قطر، وسيذكره التاريخ بوصفه أول مونديال في الشرق الأوسط، نظمته دولة صغيرة الحجم والسكان، لكنها أظهرت قدرة فائقة في التنظيم والاستضافة، وبما جعله “أفضل مونديال على الإطلاق”، حسب رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، جياني إنفانتينو، حيث لم تخدشه أي حادثة تعكّر صفوه نحو شهر، وشكّل معلماً بارزاً وساحراً لعشاق كرة القدم ومحبيها في كل العالم. وتميز المونديال بمشاركة لافتة ومميزة لعدة فرق عربية، أهمها منتخب المغرب الذي حقق المركز الرابع في ترتيب منتخبات العالم ولأول مرة، فيما لم تنجح حملات التشكيك والتشويه ضد استضافة قطر المونديال في تحقيق أغراضها، نظراً إلى النجاح في التنظيم، إضافة إلى النجاح في جذب حوالي 1.7 مليون شخص من جماهير الكرة المستديرة، بمعدل 80 ألف مشجّع يومياً، فيما بلغ متوسط الحضور في الملاعب 52 ألف شخص في المباراة الواحدة، بزيادة نحو 5000 متفرّج مقارنة بالنسخة السابقة من المونديال في روسيا.

ولعل أحداثاً كثيرة وقعت خلال العام 2022، لكن التاريخ سيذكر أبرزها كثيراً، وسينقلها إلى الأجيال المقبلة، بوصفها أحداثاً مفصلية واستثنائية، وستبقى راسخة في ذاكرة من عايشها.

مقالات ذات صلة