لماذا تفشل الحكومات في بناء رأس المال البشري؟.. إبراهيم غرايبة

يترسخ ضعف مستوى الخدمات العامة ويتراكم لأنه وببساطة لا يؤدي العمل العام إلى عوائد سياسية وانتخابية، ويفتقر العاملون في القطاع العام بطبيعة الحال إلى الحوافز والدوافع التي تحرك الناس للبذل والعمل الجاد كما في القطاع الخاص، وليس متوقعا من القادة السياسيين والنواب أن يتحركوا لإصلاح الخدمات العامة من غير حوافز ومحركات انتخابية وسياسية. ويمكن الملاحظة كيف تتجه السياسات المالية في الإنفاق والدعم حسب المواقف الشعبية والعامة. كما أن الثقة بالحكومة ضعيفة ما يجعل سياساتها أيضا موضع شك فتفضل بسبب ذلك الاتجاه الى القضايا ذات المردود السياسي والشعبي، ويمكن على سبيل المثال كيف استدرجت الحكومة نفسها في انشغالات إعلامية تلفت اهتمام الناس لكنها غير متصلة بالتنمية وتحسين الحياة، مثل إلغاء مؤتمر فكري تضمن عناوين جدلية، أو تنظيم استخدام الميكروفونات في المساجد، أو ملاحقة احتفالات ترفيهية، لكن ليس هناك ما يشدّ الحكومة ويجذبها للإنفاق والاستثمار في تحسين نوعية التعليم وتدريب المعلمين وبناء المستشفيات وتطويرها. ولا نكاد نلاحظ وجودا لقضايا التعليم والصحة والتكامل الاجتماعي في لقاءات المسؤولين العامة أو في الحملات الانتخابية للمرشحين أو في الرقابة على الحكومة في البرلمان، في حين يتحمس النواب أمام الميكروفونات والكاميرات لقضايا وهمية لا تقدم ولا تؤخر شيئا في حياة الناس.
وتتأخر عوائد وانجازات الاستثمار في التنمية ورأس المال البشري سنوات عدة وطويلة أحيانا؛ ما يجعل الحكومة تعزف عنها لتبحث عن إنجازات سريعة ترضي المواطنين أو تقلل احتجاجهم، وتكون أيضا قبل رحيل الحكومة القائمة، فتطوير التعليم مثلا لن تظهر نتائجه قبل عشر أو خمس عشرة سنة، يلاحظ البنك الدولي ضعف المستوى المعرفي لدى العاملين في قطاعات التعليم والصحة، وفي ذلك فإن تطوير هذين القطاعين يعتمد على رفع كفاءة العاملين، وهو أمر لم يتحقق بفعالية حتى بعد الدورات التدريبية والشهادات التعليمية التي حصلوا عليها في أثناء العمل، .. هكذا تتواصل وتتزايد حالات المرض والوفاة في المراكز الصحية والمستشفيات ويدخل الى سوق العمل والجامعات أعداد كبيرة من الشباب من غير تأهيل اجتماعي ومعرفي ومهاراتي، ولأسباب سياسية معروفة فإن إدخال التقنيات والبرامج المتقدمة لم يحسن في اداء المؤسسات التعليمية والصحية، بل جرى تعطيلها وإفشالها أو إسنادها إلى عاملين غير أكفاء ولم يصلوا إلى مواقعهم وفرصهم على أسس عادلة.
يحتاج الإصلاحيون إلى قواعد معلوماتية ومعرفية عن مستوى التعليم والصحة لأجل التأثير الاجتماعي والرقابة على المؤسسات الحكومية وتفعيل المشاركة الشعبية وإبعادها عن الاحتجاج العام والتذمر والشعور بالظلم من غير إدراك عملي وواضح للعدالة، ومن الأفكار العملية الممكن أن تعمل فيها المنظمات الاجتماعية والسياسية التي تطمح للتأثير الإصلاحي في الواقع والسياسات الحكومية عرض وتقديم البيانات عن المشكلات القائمة والفجوات الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك الإشارة إلى الانجازات الإيجابية ذات التأثير الحقيقي على كفاءة وحياة الأفراد والمجتمعات.

مقالات ذات صلة