الصمغ العربي يعود لمكانته كعلاج ومثبت صناعي ومادة حافظة طبيعية

بكل بساطة عندما تلجأ إلى أحد محلات العطارة الأردنيين وتطلب منه علاجا شعبيا لتخفيض نسبة الكرياتين في الكلى فإنه سيعطيك بعض الصمغ العربي مصرا على أن نتائجه حاسمة وأنه قد يغنيك من الوصول إلى مرحلة غسيل الكلى المؤلمة .

من جانب آخر فقد قالت صحيفة “ليزيكو” الفرنسية إن الصمغ العربي بدأ يسترجع عافيته ويخرج من العزلة التي حصرته في استعمالات محدودة، ليعرف انتعاشا جديدا ويقوى الطلب عليه نتيجة الاهتمام بالمنتجات الطبيعية ومكافحة التغير المناخي.

وفي بحث كتبه ريشارد هيول، تقول الصحيفة إن هناك شركتين فرنسيتين تهيمنان على تسويق هذه المادة، إحداهما في “سانت أوبي” وتسمى “آلين روبرت”، والأخرى في “بور مور” الذي يبعد بضعة كيلومترات عن مقر الأولى.

وقال الكاتب إن مقر الشركة الأولى عبارة عن حائط معدني بداخله مبنيان بتصميم عمراني مستقبلي، يقابلهما برجان فوق المجمع الصناعي. وتمنع كاميرات المراقبة ونظام التعرف الرقمي للأبواب أي اختراق غير مناسب لهذا المكان.

وبداخل هذا المبنى شاهد الكاتب آلاف الصناديق المرصوصة التي تحتوي على مادة الصمغ، وقال إنها تستورد عبر ميناء “لوهافر” الفرنسي. وفي هذا المكان تسحق قبل أن تذاب في الماء ثم تصفّى وتزال منها جميع الشوائب العالقة كالتراب والبقايا الخشبية.

وبعد ذلك يجفف الصمغ في البرجين بأسلوب يعتمد على رفع درجة الحرارة إلى 200 درجة، كما يوضح ذلك فريدريك آلان المدير العام للشركة التي أسسها فرانسيس آلان جدّ والده عام 1884.

ويتأسف آلان لعدم رواج الصمغ العربي في الولايات المتحدة، مع أنه مادة طبيعية اكتشفت منذ القدم، واستعملها المصريون القدماء لأغراض عدة كالطهي وتحنيط الموميات، بل إنها -حسب رأيه- استخدمت منذ 30 ألف سنة.

رحلة الصمغ
يتتبع الباحث رحلة الصمغ ويقول إن هناك “آثارا للصمغ العربي على اللوحات الجدرانية لسراديب موتى المسيحيين الأوائل. وفي العصور الوسطى كان الرهبان والصيادلة يستخدمونه كذلك، كما استخدمته صناعة الأقمشة في بدايةالثورة الصناعية لتثبيت ألوان القماش، وله استخدامات أخرى في ميدان صناع الحبر ومواد التجميل، وفي عصرنا يستعمل كمادة ملصقة للأوراق والطوابع البريدية والسجاير والأغلفة”.

الجميع اليوم يستهلك الصمغ بدون أن يعلم، فهو موجود في البيرة والنبيذ للحفاظ على لونه وحمايته من الترسبات، وموجود في صناعة مستحضرات التجميل ومنتجات الماكياج كالمسكرة وأحمر الشفاه والصابون السائل

ويضيف أن “الجميع اليوم يستهلك الصمغ بدون أن يعلم، فهو موجود في البيرة والنبيذ للحفاظ على اللون والحماية من الترسبات، وموجود أيضا في صناعة مستحضرات التجميل ومنتجات الماكياج كالمسكرة وأحمر الشفاه والصابون السائل”.

ويخلص آلان إلى أن الصمغ هو المازج لجميع المشروبات المخففة، كما يمزج صفار البيض ويشد من تماسك المايونيز، وله دور كمادة مضافة، ففي أي منتج كتب عليه “إي 414” (E414) يعني ذلك أنه يحتوي على الصمغ العربي، فهو “عنصر يوفر العديد من المميزات للصناعات الغذائية، وله عدة وظائف من بينها التثبيت والتسميك والتركيب”.

وفي السنوات الأخيرة -يقول الكاتب- تزايد الاهتمام بالصمغ في جميع أنحاء العالم، كما بدأت الطبقات الغنية والوسطى تهتم بجودة المنتجات التي تستهلكها.

وقال إن الخوف من المواد المضافة الكيميائية المنطلق من الساحل الغربي للولايات المتحدة هو ما يفسر الاهتمام المتزايد بالصمغ العربي، لأن هذا الأخير مادة طبيعية غير ناتجة من زراعة معدلة جينيا.

الإنتاج
وحسب تقدير اتفاقية الأمم المتحدة للتجارة والتنمية الصادر في أبريل/نيسان الماضي، فإن تحليل السوق وتزايد الطلب من الدول الناشئة وظهور الاستعمالات الجديدة، تضمن لتجارة الصمغ العربي مستقبلا زاهرا.

وحسب نفس التقرير فإن تصدير الصمغ العربي الخام وشبه المصنع تضاعف ثلاث مرات على مدى السنوات الـ25 الماضية، متجاوزا المعدل السنوي في الفترة بين عامي 2014 و2016. أما تصدير الصمغ المصنع فقد زاد على ثلاثة أضعاف ليصل إلى 53 طنا خلال الفترة نفسها.

شركتان فرنسيتان
ولكن المستفيد الأول من هذه التجارة هما الشركتان الفرنسيتان، ولذلك تحتكر فرنسا 69% من مبيعات الصمغ المصنع كما يقول آلان، مؤكدا أن نسبة 95% منه تصدر إلى الخارج وخاصة الولايات المتحدة، مضيفا أن الأخيرة هي “سوقنا الأول”.

فريدريك آلان:
المستفيد الأول من تجارة الصمغ العربي شركتان فرنسيتان، إذ تحتكران69% من مبيعات الصمغ المصنع

ومن المتوقع أن تتوسع أعمال شركة آلان وروبير، حيث دخلت في اتفاقية مشروع مشترك مع الشركة الهندية “سياجي” (Sayaji) للسيطرة على جزء كبير من السوق المحلي للصمغ المصنع، ويقول آلان موضحا “من خلال تصنيعه محليا سنكون قادرين على الاستجابة تماما للطلب المحدد في السوق”.

وحسب زعم مدير شركة “نيكزيرا” ماتيو دوندان فإن شركته تحصل على نحو 40% من صادرات الصمغ، الذي يمثل 70% من حجم أعمالها.

وتدخل شركتان أميركيتان في التنافس على سوق الصمغ وهما “إنغرديون” و”أي.إي.بي”، بالإضافة إلى شركة إيرلندية تدعى “كيري” وأخرى ألمانية، وكلها تحاول الاستحواذ على ما تبقى من السوق.

وأرجع الكاتب سبب الهيمنة الفرنسية على هذه السوق إلى عامل تاريخي يتمثل في أن بلدان الساحل الأفريقي المنتجة الأساسية للصمغ كانت في السابق مستعمرات فرنسية. وعامل آخر هو كون فرنسا فهمت في وقت مبكر الأهمية الكبيرة لتجارة الصمغ واستثمرت أموالا طائلة في البحوث وتطوير هذه المادة.

وقالت صحيفة “ليزيكو” إن الفرنسيين كانوا بارعين ومهتمين بتصنيع الصمغ، وإن البريطانيين الذين احتلوا السودان-أكبر بلد منتج للصمغ العربي- لم يحاولوا تصنيع هذه المادة، بل اكتفوا بالتجارة بها كمادة خام، لكن الفرنسيين اهتموا بتصنيعها والبحث عن استعمالاتها المختلفة.

يقول آلان “إن لدينا ثلاثين عاما من الخبرة في هذا الميدان”، وكان رهان الفرنسيين ناجحا، لأن سوق الصمغ الخام اختفى كليا.

وفي هذا البحث، عرّج الكاتب على البلدان المنتجة لهذه المادة، وهي ما عبّر عنه بحزام أشجار الأكاسيا الممتد من البحر الأحمر شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا، وقال إن الصمغ يشكل فرصة جيدة جدا لنمو هذه البلدان، والاهتمام بأشجاره سيساهم في مكافحة التصحر والتغير المناخي.

وقال إن الأكاسيا تتكيف جيدا مع الظروف المناخية الصعبة مما أدى إلى إدراجها في المشروع الدولي “السور الأخضر الأكبر” الذي يمتد لأكثر من 7000 كلم من السنغال إلى القرن الأفريقي، لوقف تمدد الصحراء وإعادة تأهيل خمسين مليون هكتار من الأراضي لصالح السكان.

مقالات ذات صلة