” كلمة رثاء ” في الذكرى السنوية لوفاة المرحومة : ثناء عبدالحميد درويش الشلة / ام عصام الفريق المتقاعد محمد الرقاد واولاده واحفاده : رحماك يا رب : “فلا حزنٌ يعلو حزننا على فراقها “

بسم الله الرحمن الرحيم

” اللّهمَّ لك اسلمنا ، وبك آمنَّا ، واليك انبنا وعليك توكَّلنا ، اللهمَّ أحْينا ما علمت ان الحياة خيراً لنا ، وأمتنا ما علمت ان الوفاة خيراً لنا ، اللهمَّ أجبر كسرنا ، وفرَّج همَّنا ، واغفر لوالدينا وموتانا ، واجعلنا في عينك الحانية التي لا تغفل ولا تنام ، ونسألك خشيتك في الغيب والشهادة ، وكلمة الاخلاص في الرضَّا والغضب، ونسألك الايمان بالقضاء والقدر ، وبردّ العيش بعد الموت ، اللهمَّ زيَّنَّا بزينة الايمان ، واجعلنا هداة مُهتدين”

زوجتي المرحومة ام عصام … يا رفيقة الدرب،
إن الموت هو منيّة كل إنسان ، وهو اليقين الوحيد في هذه الدنيا ، الذي لا يستجيب لأحد ولا ينتظر منتظر، نتعايش معه في كل لحظة من حياتنا ، ونحس به كواقع ملموس ، وحين فقدناكِ ، عشنا معك التجربة ، تجربة الساعات الاخيرة من حياتك،تنظرين الينا بصمت ولا تقوين على الكلام، وبذل اطبَّاء العناية المركزة ما بوسعهم ، لتبقين على قيد الحياة ، ومع فجر اليوم الاخير ، جاءت اللحظة القدرية المؤلمة – لحظة الموت – التي ادخلتنا عمق التجربة ، وهي بالطبع لم تكن لحظة عادية ، وقد كتبها الله على كل انسان ، والتي لا تزال عصية على الفهم . حينئذٍ : ادركنا ان حكمة الله التي لا نستطيع معها الا الاعتراف بأن : حقيقةً موتك ، ما كانت الَّا بأمر الله ، ” وكان أمر الله قدراً مقدوراً ” صدق الله العظيم ، وهو ما يدفعنا الى ان نصبر ونحتسب ، وعند الله سبحانه وتعالى جزاء الصابرين وهو على كل شئ قدير .

فقيدتنا الغالية …
لقد رحلتِ عن هذه الدنيا الى الرفيق الأعلى ، وحقاً : كان رحيلكِ قاسٍ علينا وعلى محبيكِ ، فقد كنتِ سر المحبة في البيت وفرحته وبركته ، والرابط الذي يجمعنا ، والمرجع الذي نعود اليه

نستند عليكِ في الشدائد ونلوذ بكِ في الملمات الصعبة ، وهيهات ، هيهات ان نجدكِ بعد اليوم ..!! من قال : اننا بالرثاء نتجاوز الاحزان ونداويّ الجراح..؟ لا والله !! فحزننا متجدد لا يعلوه حزنٌ ، وجرحنا غائر لم ولن يلتئم ، وما الرثاء الا مسكن لالام الرحيل والغياب ، لاننا في كل يوم نستيقظ مع حزن جديد واسىً جديد . فعذراً .. منك ايها الموت ما اقساك.. !! – وانت الحق – فقد اسقيتنا من الألم اكثر مما نستحق ، عندما تنتقي اعز الارواح … تأخذها منا وترحل …

الغالية ام عصام …
عام كامل ٌمضى على رحيلك ، ونحن نتجرع مرارة الفقد ، ولم نعد نفرح ونعيش كما كنا ، لاننا ادركنا انه لا يكتمل الفرح الا بوجودك ، ولا يطيب العيش الا معك ، وكل ما نفعله في جلِ وقتنا هو التذكر – ولا شئ غير التذكر – نتذكر الزوجة الوفية ، والام الحنون ، والجدة الغالية … نتذكر الأخت الودود ، والصديقة الطيبة ، والجارة البارة … ونتذكر كل شئ يذكِرنا بك : اعمالك الانسانية ، مواقفك النبيلة ، وعلاقاتك الطيبة مع الناس، حتى وانت في ايامك الاخيرة والمرض يقطع فيك كل عضو حيوي ، طلبت منا ان نساعد احد المعارف وان نلبي حاجته ما امكن …؟ فلبينا بعون الله نداءك ، وكان لك بحمد الله ما كسبت من الأجر والثواب .

الزوجة الوفيَّة….
لقد عشنا معاً ما يقرب من اربعين عاماً ، كانت بالنسبة لنا ربيع العمر وصفاء ايامه ، وكان لك الدور الأكبر عبر هذه السنين بإدارة شؤون البيت ورعاية الأبناء وتربيتهم ، وتلبية طلباتهم ومتابعة دراستهم ، الى جانب القيام باعمالك المنزلية ، ومع كل ذلك لم تشغلك الحياة عن واجباتك الدينية حتى وانت في شدةِ مرضك لم تتواني عن اداء فريضة الصلاة ما استطعتِ الى ذلك سبيلا .

فقيدتنا الغالية …
لقد كنت لنا ملء العين والنفس ، ونقطة البداية وخط النهاية ، واول يوم للفرح وآخر يوم للسعادة ، بدأنا معك مشوار الحياة ورحلة العمر ، وبنينا معاً طموحات واحلام المستقبل ، وجاء الموت على حين غفلة ، فأنهى مشوار الحياة ، وقطع علينا طريق الرحلة ، وبقي كل شئ في مكانه بلا قيمة وبلا معنى ، ولم تعد حياتنا كما كانت من قبل ، لا بل اصبحت دموع واسى ومرارة ، فضاعت منا الكلمات ، وفقدت الجُمل معانيها ، ولم يعُد بمقدورنا التعبير عن الفرح والسعادة ، ولم نعد نشعر بطعم الحياة : النوم والأكل والتسوق ، الاعياد والجلسات العائلية، زيارات الأهل وحضور المناسبات … كل ذلك : انتهى واصبح فقط قضاء للوقت ومجاملات فارغة ، تحوّل ليلنا الى ظلمة حالكة تعم المكان ، ونهارنا مجرد شمس تشرق وتغرب دون انتظار ، واصبحنا على يقين : ان الحياة بدونك ما هي الا ايام نعدّها وتمضي …

المرحومة ام عصام …
نقف على قبرك بخشوع عند كل زيارة ، نحاول ان نكتم الاحزان ونحبس الدموع لنقرئك السلام ، ونتلوا سورة الفاتحة ، وما تيسر من القرأٓن الكريم ، وندعوا لك بالرضا والرضوان ، ونترحم على  روحك

رواح كل جيرانك من اموات المسلمين ، ونحس ونحن في ذروة الخشوع ان روحك قد دنت الى قبرك ، لترد علينا السلام ، وتنْصِتُ لما نقرأ ، وتسمعُ ما نقول .. ثم تمضي الى خالقها مستبشِرةٍ مطمئِنةٍ ، مصداقاً لحديث الرسول ” ص ” : ان الميتَ يعرف زيارة الحي له ويستبشر به .

الام الغالية …
مر عام على رحيلك ، الاّ اننا لا زلنا غير مصدقين حقيقة وفاتك ، ويظن الجميع لوهلة انك عائدة الينا ، ويسأل الاحفاد عنك كلما اجتمعنا ، وبلغتهم الخاصة وبراءة طفولتهم يسألون : وين تيتا ؟ وليش راحت تيتا ؟ فيكون الجواب : راحت تيتا للجنة وسنلتقي معها بالجنة ان شاء الله .. اتعرفين لماذا يسألون عنك ؟ : لأنك من اعظم سيدات الكون ، تملكين قلباً كبيراً استوعبهم ، وحفرتِ لكل واحدٍ منهم مكان فيه ، منذ اللحظات الاولى للولادة ، ومع الخطوات الاولى نحو الحياة ، وفي اعياد الميلاد ، واول يوم في المدرسة ، وفي كل جمعة ، وعند كل لقاء : تجلسين معهم ، تضحكين وتمرحين وانت في غاية السعادة والسرور ، تشكلين لهم لغة فهم جديدة للحب والحنان والأمان ، وفوق كل ذلك تعلمينهم معنى الطفولة والأمومة ، ولكل حفيد منهم وحفيدة في مدرستك : موقف وحكاية ، وقصة ورواية ، تعلَّموا منك قيمة الحياة بمعناها الطفولي الجذاب ، وان لكل واحدٍ منهم امنياته الخاصة واحلامه البريئة ، وأنشأتِ لهم رابط للرحمة ، ليفهموا طبيعة العلاقة الأسرية الرحيمة ، التي يجب ان تكون بين : الزوج وزوجته ، وبين الأم والأب وأولادهما ، وبين الاخ واخته ، لأنك تعلمت هذه القيم وهذه المبادئ ، في مدرسة اهلك اسياد التواصل والتزاور ، والأوائل في صلة الرحم – ميثاق الله في الناس – ولأنهم اطفال لا يفهمون الموت ، ولا يدركون انه أمر إلهي ينهي الحياة ، فهم يعتقدون انك ستعودين اليهم ، وحقيقة الأمر انك خرجت من هذه الدنيا ولن تعودي ابداً ، ذهبت وذهب معك كل شي جميل كنت فيه ، وكل أشيائهم الجميلة انت فيها ، ذهبت وذهب معها الحب والحنان .

الفقيدة الغالية ام عصام …
سافرتِ الى عدد من بلدان العالم ، وفي كل مرة تسافرين ، كنت تبحثين عن اماكن الهدوء ، لتنالي بعض الراحة ِالنفسيةِ والجسميةِ ، لكن المرض القاتل اللعين كان قد دب في جسدكِ – وانت لا تعلمين – يبحث عن اماكن الضعف والوهن ، وامام هذا الصراع الرباني الطبيعي ، كان علينا ان لا نستسلم ، ولا بد لنا ان نبحث عن طوق النجاة ، فبدأت خطة العلاج المركَّزة ، لعل الله يشفيك ويعطيك من العمر المزيد . ومع كل ما بذله الأطباء والممرضين والناس الخيرين ، من دواء ودعاء ، كانت قدرة الله ، اقوى من قدرة الجميع ، فدنا الأجل ، ودقت ساعة الرحيل ، وفاضت روحك الطاهرة ، النقية التقية ، رقيقة سلسة طيبة ، الى مغفرة من الله ورضوان تسيل ( كقطرة ماءٍ من فيّ السقاء ) ، تحمل احسن اسمائك بالدنيا ( الثناء والحمد ) ورائحتك عطرة كرائحة المسك ، فأهنئ في مثواك الاخير بجوار ربك ” ان الابرار لفي عليين ” صدق الله العظيم .

الغالية ام عصام …
ان رحيلك عن هذه الدنيا هو بأمر الله ، ولو أنَّ بُكائَّنا يجدي لبكيناكِ ابدَّ الدهر ، ولو كان الرثاءُ يطفئ أسى القلوب ، لملأنا الكون شعراً ونثراً … ولكننا لا نملك الا الرضا بإختيار القدر والانصياع لأمر الله ، والدعاء لك في الذكرى السنوية الأولى لوفاتك بما يرضي الله ، صدقة جارية خالصة لروحك الطاهرة ونفسك الزكية ، فتقبله منا يا رب ، وافضل ما نقول :
يا رب : لقد شرِبتْ من عين ماءك وها هي تعود اليك ، فأرحمها برحمتك التي وسعت كل شئ .
يا رب : ان هجرتها اليك فلا تقوى عليها الا بمعونتك ، فكن عوناً لها وبلّغها اعلى منازل الآخرة ، وادخلها جنتك مع عبادك الصالحين .
يا رب : عند اليسر شكرت – ففي اليسر يكون الشكر – وعند العسر صبرت – ففي العسر يكون الصبر – وقد انعم الله عليها بالتقوى فأستغنت به جل وعلا ، فوجدت قلبها مملوء بالخير والايمان .
يا رب : اجعلها ممن تقول لهم : ” وسيق الذين اتقوا ربهم الى الجنة زمرا ” صدق الله العظيم .
يا رب : اقسم لها من المغفرة ما يطمئن به قلبها ، وتصفو به نفسها ، وترضى عنها ، فليس بعد رضاك الا الجنة
يا رب : اننا لا نزكّيها عليك ، ولكننا نحتسبها عندك ، ولانها آمنت بك وصبرت وعملت صالحاً ، فأجعل لها في قبرها باباً تهب منه نسائم الجنة لا يسد ابداً .
يا رب : انها من المؤمنات – يسعى نورها بين ايديها – فأكرمها بالجنة التي تجري من تحتها الانهار ، وانزلها منازل النبيين والصديقين والشهداء والابرار، ووسّع مقامها بين عبادك الصالحين ، وارحمها واغفر لها ، وارحمنا اذا صرنا الى ما صارت اليه ، واجمعنا بها في الفردوس الاعلى من الجنة ، والهمنا الصبر والعزاء، وصلى اللهمَّ وسلّم وبارك على نبينا وشفيعنا محمد وعلى آله واصحابه اجمعين ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .

” زوجك واولادك واحفادك “

مقالات ذات صلة