مشاريع لَن تتكرَّر

سلامة الدرعاوي

مُنذ سنوات عديدة لمّ نسمع عن إقامة مشاريع اقتصاديّة كبرى على المستوى الوطنيّ كالتي حدثت خلال الفترة من 2002-2008، والتي كان لها قُدرة هائلة على جذب المستثمرين الأجانب للمملكة لتنفيذها.

اعتقادي الشخصيّ أن هُناك بعض المشاريع التي نُفذت في الحقبة السابقة لو طرحت الآن لن تنفذ ولن تستقبل أيّ مُستثمر لتنفيذها، فالأجواء الراهنة في الشّارع من جهة والإجراءات الحُكوميّة من جهة أخرى غير قادرة على توليد شحنات إيجابيّة تُعزز حالة اليقين في المشهد الاقتصاديّ في المملكة، ولا حتى الأجواء في المنطقة تُساعد الآن على جذب المُستثمرين، فالكُلّ في حالة تخوف وترقب على مستوى الإقليم.

لو أرادت الحكومة اليوم أن تُعطي رخصة «خلوي» لِمُشغل رابع، هل ستنجح في ذلك؟

من المؤكد أن العطاء سَيَفشل، وسبق للحكومة أن طرحته مرتين في الأعوام الأخيرة وفشلت في اِستقطاب أيّ مُشغل، فالجدوى الاقتصاديّة للمشغل الرابع شبه معدومة في ظل التناحر بين الشركات القائمة، ناهيك عن السياسات الحُكوميّة الجبائية تجاه القطاع في الفترات الأخيرة والتي أدت إلى تَقلص أنشطته وأرباحه وعائداته، وانعكاس ذلك على الإيرادات الحكوميّة التي كانت في السابق تصل عائداتها من القطاع لأكثر من 250 مليون دينار، في حين لا تتجاوز 56 مليون دينار في عام 2018.

ومع ذلك يبقى قطاع الاتصالات الخلويّة والشركات العاملة فيه قصص نجاح في الأردن وفي الإقليم نتيجة للانفتاح الذي صاحب القطاع والتطور المذهل في جميع أنشطته واستثماراته.

مَشروع المطار الذي نفذه ائتلاف فرنسيّ محليّ يونانيّ بكلفة تجاوزت المليار دولار، قصة نجاح لا يمكن أن تتكرر أبدا في ظل الظروف الحاليّة، فالعطاء الذي نفذه الائتلاف بالكامل ولم يُكلّف الحكومة فلسا واحداً في مشاريع الإنشاء، يُدرّ دخلا سنويّا على الخزينة نسبته 56 بالمئة من الإيراد الكُلّي للمطار، دون أن تتكلف الحكومة فلسا واحداً في تشغيله حتى، بالعام الماضي حصّلت الخزينة على ما يقارب 220 مليون دينار كعوائد من المطار الذي كان قبل المشروع يُكلّف الحكومة ما يزيد على 60 مليون دينار كمصاريف تشغيليّة له، والآن المطار يحتل 28 بين أفضل مطارات العالم، علما أنه كان وقت التنفيذ ترتيبه 135 من بين مطارات العالم، والذي له بصمة واضحة في هذا المشروع واشرف عليه منذ الخطوة الأولى وحتى نهايته وزير النقل السابق سعود نصيرات والذي نجح في انتزاع موافقة الحكومة على انشاء مطار جديد بدلا من الرأي السائد حينها وهو بناء طابق ثاني فوق المطار القديم.

خصخصة سلطة المياه ودخول شركة ليما الفرنسيّة لإدارة وتشغيل المياه وحصول الحكومة على ما يزيد على 150 مليون دولا كعوائد، ناهيك عن تحمّل الشركة لجزء من ديون السلطة والتزامها بتحديث شبكة التمديدات وإصلاحها وتقليل نسب الفاقد، جعلت من هذا المشروع احد أهم المشاريع الكبرى التي نُفذت وحظيت باهتمام استثماريّ غير مَسبوق، لن تشهد المملكة مثله الآن في ظل المُعطيات الراهنة.

بيع جزء من اسهم الملكية إلى الملياردير اللبنانيّ نجيب ميقاتي بـ 3.6 قرشا للسهم، ومن ثم مساهمته في زيادة رأسمالها بكثر من 20 مليون دينار، فرصة لن تتكرر أبداً في الوقت الراهن حتى لو عرضت الحكومة أسهمها للبيع بأقل من ذلك السعر السابق بكثير، فهي لن تحصل على الأرجح على عرض سعر شراء من أيّ مُستثمر خاصة من تردي أوضاع الشركة في ظل التنافسيّة الحادة مع استمرار ارتفاع الكُلّف التشغيليّة، ناهيك عن تدخلات الحُكومة، فهي تمتلك الآن مع الضمان الاجتماعي ما يقارب 90 بالمئة من أسهمها الإجماليّة، أيّ أنها شركة حُكوميّة بامتياز بعد أن كان قد جرى خصخصتها قبل عشر سنوات تقريبا.

حتى في قطاع المقاولات والطرق حدث حالات نجاح استثنائيّة لن تتكرر أبداً، فجسر عبدون الذي نفذته شركة مقاولات هنديّة، وفازت بالعطاء الذي طرحته الأمانة في ذلك الوقت بقيمة 18 مليون دينار، كلّفها المشروع بسبب ارتفع كُلف الحديد الأسمنت والأوامر التغييرية ما يقارب 26 مليون دينار، الأمر الذي جعلها تُطالب التعويض في ذلك لكنها لم تحصل سوى على شيء يسير مقابل تنفيذها لهذا المشروع الحيويّ.

حالة التفاؤل وخلق الأجواء الإيجابيّة في المجتمع من قبل الجميع، وهنا اقصد الحكومة والمواطنين وباقي المؤسسات يُعتبر أولى خطوات النجاح في جذب المستثمرين الأجانب وتحفيزهم للشراكات الاستثماريّة حتى تجاه المشاريع الصعبة والكبرى

مقالات ذات صلة