الفلسطينيون … الدم ثمن الهوية

كتب حاتم الكسواني

منذ بدء المخططات الصهيونية بتأسيس مجتمع إستعماري إحلالي في فلسطين والحركة الصهيونية وعصاباتها توغل بالدم الفلسطيني وتقترف مزيدا من المجازر والجرائم ضد أبنائه أمام سمع ونظر امتي العرب والإسلام والمجتمع الدولي .

مجازر عديدة ارتكبها عدونا الصهيوني ضد أبناء فلسطين والأمة العربية خلال 75 عاما هي عمر الإحتلال الإسرائيلي لبلادنا منذ النكبة حتى يومنا هذا ، واراق بها دماء ودماء زكية طاهرة ومن  أشهرها وأكثرها قسوة وإجراما: مجزرة دير ياسين 1948 و مجزرة الطنطورة 1948وكفر قاسم 1956
وصبرا وشاتيلا 1982 ، ومجازر غزة التي تأخذ طابع القتل الجماعي والتطهير العرقي  اليوم وبالأمس ، و مع سبق الإصرار والترصد.
كل هذه المذابح تمت بهدف إرهاب المواطنين العرب ، و إجبار السكان الفلسطينيين لترك منازلهم ومقتنياتهم والنزوح إلي مخيمات اللجوء في الدول العربية المجاورة كما يخطط اليوم لدفع ابناء غزة إلى سيناء ثم دفع أبناء الضفة الغربية ومناطق 48 إلى الأردن والدول التي تقبل بجزء منهم …فكيف نأمن لمجاورة إحتلال يقطن حكامه ورموزه بيوتا لا يملكونها ولا يملكون مقتنياتها ولا يعترفون بحق عودة اصحابها .

ولكن ورغم كل ذلك  يبدو أن الفلسطينيين وفي مقدمتهم الغزيين  قد ادركوا بأنهم على ثغرة من ثغر الإسلام ويتحتم عليهم أن يقوموا بواجبهم في الدفاع عن أمتهم  ،  وآثروا أن لايكونوا نقطة الضعف التي يخترقها عدوهم الصهيوني  في سعيه للسيطرة على كامل التراب الفلسطيني والتوسع تاليا في باقي الأراضي العربية .

وقد عمد العدو الصهيوني على تعزيز  فكرة أن زيادة عدد  المستوطنات المحيطة بالمدن الفلسطينية وغلاف غزة  وجدت لتبقى ، وأن الوجود الاسرائيلي والسيطرة الاسرائيلية على القدس والمناطق المحتلة يرتبط الى حد بعيد بوجود المستوطنات ، تجسيدا لمقولة غولدا مائير رئيسة الوزراء السابقة ” الحدود حيث يتواجد اليهود ” وأن وضع المستوطنات يقوي موقف اسرائيل بالتخلص من الضغوط الدولية لوقف الاستيطان و التصدي لأي محاولات من الحكومات الاسرائيلية للتنازل عن المناطق المحتلة أو القدس بإعتبارها وسيلة لإستيعاب الزيادة الطبيعية لسكان المستوطنات  .

ويرى منظروا هذا التوجه بأن زيادة عمليات الاستيطان والتغييرات على أرض الواقع ستقوي الموقف الاسرائيلي وتخلق نوع من الاحساس بالاحباط واليأس لدى العرب يدفعهم دائما  لتقديم مزيد من التنازلات ، ولذلك يحاول هذا الاتجاه المبالغة في إظهار حجم الاستيطان وفعاليته بقصد خلق قناعات لدى العالم بصعوبة التخلي عن المستوطنات ، كما أن  أهمية الاستيطان يكمن  في خلق امر واقع يؤدي إلى انكار جوهر القضية الفلسطينية من أن هناك احتلال اسرائيلي وشعب فلسطيني يسعى لتقرير مصيره

من هنا أدرك مقاوموا حركة حماس بأن تمادي العدو الصهيوني في إتخاذ إجراءات تمكنه من التقسيم المكاني والزماني للمسجد الأقصى وبالتالي تنفيذ مخططاته الظلامية ضده التي قد تصل إلى هدمه وإقامة هيكلهم المزعوم مكانه أصبح أمرا قاب قوسين أو أدنى في ظل حكومة نتنياهو اليمينية الدينية المتطرفة .

كما ادركوا أن استمرار شعور المواطن الإسرائيلي،بالأمان في مستوطنات غزة والضفة الغربية يضر بالقضية الفلسطينية ويبقيها رهينة للتنازل العربي وتراخي السلطة الوطنية الفلسطينية الساعية لأي شكل من أشكال الحكم والسلطة الذي تحافظ بموجبه على إمتيازاتها الصغيرة على حساب الشعب الفلسطيني الذي يعاني كل أشكال التضييق المتمثلة بالقتل  ، وهدم المنازل ، والإعتقال ، والأحكام القضائية الجائرة ، والزج بالسجون وبلا أي سبب  ، ومصادرة الأراضي  والعقارات ، وتفتيش المنازل والإساءة للشيوخ والنساء والأطفال  وحرقهم أحياء ،  وقلع الأشجار  وتجريف المزارع  ،  والإذلال  على المعابر  وفي الطرقات … كل ذلك و أكثر و بشكل يومي وممنهج  وبلا هوادة .

من هنا  جاء قرار تنفيذ عملية طوفان الأقصى البطولية التي رغم سيل الدم الفلسطيني الذي اريق ويراق يوميا في غزة والضفة الغربية منذ 30 يوميا من بدايتها إلا أن الشعب الفلسطيني قرر أن يدفع دمه ثمنا لهويته وتحرره وإستقلاله والتعجيل بتأسيس  دولته المستقلة وعاصمتها القدس التي طال إنتظارها  .

عملية طوفان الأقصى  تلغي فكرة أمن المستوطنات والمستوطنين وكل سكان إسرائيل الأمر الذي يؤدي إلى توقف الهجرة الى إسرائيل مهما كانت مغرياته  بسبب عدم رغبة اليهود في العالم الذين تقدم لهم كل المغريات الإقتصادية  والمكتسبات  بحياة أفضل العيش في مكان يشعرون به بعدم الأمن والأمان ، وبمقاومة سكانه الأصليين لوجودهم .. ناهيك عن ما أدى  إليه  طوفان الأقصى من هجرة معاكسة تمثلت بعودة حملة الجنسيات المزدوجة إلى  البلاد التي جاءوا لفلسطين منها  .

إن عملية طوفان الاقصى وبرأي المحللين السياسيين والخبراء  العسكريين تعتبر اهم عملية حدثت في تاريخ الصراع الفلسطيني  الإسرائيلي بما أدت إليه من نتائج تمثلت بكسر شوكة وهيبة العدو الصهيوني  هز ثقة المواطن الإسرائيلي بقوة جيشه وقدرته على حمايته بعد سيل الصواريخ التي دكت مدنه ومستوطناته  ووضعته بإحساس الخوف والخطر  الدائمين .

كانت عملية طوفان الأقصى سببا في أكبر عملية تثقيف وحوار عالمي إعلامي حول جذور  القضية الفلسطينية ومظلومية الشعب الفلسطيني وحقه التاريخي في الأرض والهواء والسماء الفلسطيني، وشكلت الوعي العالمي بحقائق القضية الفلسطينية ،  كما شكلت الرأي العام  العالمي ووجهته  نحو  تأييد الحق الفلسطيني والإعتراف بحقوق الإنسان الفلسطيني المشروعة .

وأعتقد بأن المرحلة التالية لمعركة طوفان الأقصى ستضع القضية الفلسطينية بموضع إهتمام وإستقطاب القوى الكبرى التي تسعى إلى عالم ” متعدد الأقطاب” يلغي  تحكم امريكا وحلفاءها في العالم عبر فرض نظام ” القطب الواحد ” على الجميع حيث تسعى  روسيا  إلى  ثنائية قطبية مع الصين ، وهو أمر سيعزز قوة المقاومة الفلسطينية وينعكس إيجابا على قضية الشعب الفلسطيني

وبكل الاحوال فإن حماس والتنظيمات الفلسطينية المسلحة في غزة والضفة الغربية تخوض حربا ضروسا يدفع فيها الفلسطينيون دمهم ومالهم ومنازلهم وأرواح أبنائهم ثمنا للهوية  والحرية والإستقلال .

إنهم يقاومون صامدين صابرين وكأنهم في كل مرة ومع كل معركة من معارك مقاومتهم يستحضرون  البعد النفسي الذي  تمثل بوصفهم من بني إسرائيل بأنهم  قوم الجبارين ، وأنهم الفئة التي إختارها خالقهم لكسر شوكة بني إسرائيل

يقاومون وهم مدركين بأنهم لن يستردوا وطنا او يأخذوا حرية رغم انف  شيلوك الإسرائيلي دون أن يأخذ حصته من دمهم كما أخبرهم شاعرهم الراحل محمود درويش .

هم اقوياء لإيمانهم بأن الله معهم وان حتمية نصرهم  قائمة لامحالة .. وأنها قريبة … قريبة جدا .

وفي قناعة الفلسطينيين سيبقى الدم ثمن الهوية .

 

 

مقالات ذات صلة