الإعلام والضمير العام .. محاولة للفهم… حسين الرواشدة  

الإعلام والضمير العام

اف

حسين رواشدة

ثمة مجال آخر ايضا، وهو يتعلق بقدرة الاعلامي على الخروج من “الثنائيات” القاتلة التي يحاول البعض “صناعتها” وتكييف الرأي العام للاقتناع بها، ومن أسف ان صناعة هذه الثنائيات قد جرت في “مطابخ” السياسة لكن الاعلام كان “الحاضنة” والمروّج لها، ومن المفارقة هنا أن اصداءها جاءت بعكس حساباتها على صعيد الرأي العام، ومع انه كان يمكن للاعلام ان يقوم بدور “الفلترة” السياسية بما يتناسب مع مهمته المهنية والموضوعية الا ان انجراره خلف المواقف السياسية حرمه من هذا الدور.
[٨:١٤ ص ١٥‏/٣‏/٢٠١٨] شيرين صغير متدربة حياة اف ام: هل يتحمل الإعلامي جزءًا من “مسؤولية” ما حدث في بلادنا؟ اذا تجاوزنا “الدور” الايجابي الذي نهضت به بعض وسائل الاعلام في السنوات الماضية في اطار “المتاح” السياسي ومناخات الحرية المسموح بها وهو دور مقدّر لا ريب، فان من الانصاف ان نعترف بأننا –كإعلاميين- نتحمل قسطا من هذه المسؤولية الاخلاقية، يكفي –هنا- ان نشير الى بعض ملامح التقصير، لا من اجل “جلد” الذات، او تبرئة “الفاعلين” الاساسيين من الاخطاء، او تحميل “الاعلام” –كما يحدث في العادة- ما نواجهه من “ازمات” صعبة، وانما –فقط- لأجل التنبيه الى مسألتين: احداهما تتعلق بحاجتنا الى ممارسة “النقد الذاتي” لتجربتنا الاعلامية وهي ممارسة يفترض ان تكون “شجاعة” وان تتوجه الى اطار “الاصلاح” الجدّي الذي حضرت فيه السياسة والاقتصاد وغاب عنه –للأسف- الاعلام، اما المسألة الاخرى فتتعلق بضرورة النظر الى السياقات السياسية العامة عند الحكم على “اداء” الاعلام باعتبار ان “تقويم” الفعل الاعلامي بمعزل عن فهم ارادة الاصلاح وحقائقه على الارض سيولّد نوعا من سوء الفهم وسوء الظن والتقدير “بدور” الاعلاميين ودرجة انحيازهم الى “الضمير” العام او الى نقضيه الذي –غالبا- ما يخضع لحسابات سياسية معزولة عن حركة المجتمع ومطالبه وحاجاته.

اعتقد ان ثمة مجالات يمكن التوقف عندها اذا ما اردنا ان نفهم “سلوكيات” الاعلام في بلادنا، وان نتوجه اليه بالانتقاد ايضا.

احدى هذه المفارقات هنا ان قضايا محددة سلفا، وتخضع لحسابات سياسية مقصودة، هي التي تحظى باهتمام “الاعلام” فيما تغيب –بقصد احيانا- قضايا واولويات عن سجالاتنا الاعلامية، وهنا يتحمل الاعلام مسؤولية “المبالغة” والتهويل في اثارة النقاش وتوجيهه ومسؤولية “التغطية” والحجب والتجاهل لقضايا كبرى اهم واكثر التصاقا بالمجتمع وضروراته.

من المجالات ايضا ما يتعلق “بالزهد” الذي يمارسه الاعلام حين يتحدث عن علاقته بالاصلاح والتغيير فالاعلاميون الذين يتحدثون عن الاصلاح السياسي او الاقتصادي مهما اختلفت مواقفهم منه غالبا ما ينكفئون على انفسهم اذا ما تعلق الامر بالحديث عن “اصلاح الاعلام” وحتى حين يطرح مثل هذا الموضوع للنقاش فان سهام النقد غالبا ما تتوجه نحو الحكومات باعتبارها “الخصم” او المسؤول عن الاصلاح وهذا النقد يبدو وجيها، لكن من الاولى ان يسأل الاعلاميون انفسهم عن “دورهم” ايضا في اصلاح بيتهم وعن حدود الحرية التي ارتضوها لممارسة عملهم وعن حضورهم “الواجب” في مجتمعات استطاعت ان تتجاوز عقد الخوف وان تسقط “منظومة” من الافكار التي قيدتها فيما مضى، بينما بقي “الاعلامي” قانعا برصد ما يحدث والتعليق عليه دون ان يتفاعل معه او يشارك فيه.
ثمة مجال آخر ايضا، وهو يتعلق بقدرة الاعلامي على الخروج من “الثنائيات” القاتلة التي يحاول البعض “صناعتها” وتكييف الرأي العام للاقتناع بها، ومن أسف ان صناعة هذه الثنائيات قد جرت في “مطابخ” السياسة لكن الاعلام كان “الحاضنة” والمروّج لها، ومن المفارقة هنا أن اصداءها جاءت بعكس حساباتها على صعيد الرأي العام، ومع انه كان يمكن للاعلام ان يقوم بدور “الفلترة” السياسية بما يتناسب مع مهمته المهنية والموضوعية الا ان انجراره خلف المواقف السياسية حرمه من هذا الدور.

مقالات ذات صلة