
“لقاء بكين”… العبرة في النتائج
نادية سعد الدين
حرير- لا يُبشر «إعلان بكين» للفصائل الفلسطينية بأفق قريب لإنهاء الانقسام، ولن يطول الوقت كثيراً حتى تنقشع الأجواء الايجابية التي صاحبته وتبرز العراقيل عند الدخول في التفاصيل، فالعبرة في النتائج وليس في مشاهد المصافحة المُتكررة بين حركتي «فتح» و»حماس».
لم يضف الاتفاق الختامي لحوار الصين جديداً للقاءات المتوالية سابقاً، بل خالف بعضها بخلوه من جدول زمني للتنفيذ وأدوات للتطبيق وآليات عملية لإنهاء الانقسام، فترك الأمر مرهوناً لجولات تفاوضية قد تمتد لسنوات أخرى.
وفي ظل غياب الثقة المتبادلة بين الطرفين، والتركة الثقيلة للخلافات البينية، وضعف إرادة التغيير، وتأثير الاحتلال والقوى الخارجية، فإن التحديات ستطل مجدداً بتبعاتها القاتمة.
قد يُعاد بحث ملف إعادة تفعيل منظمة التحرير، لانضواء حركتي «حماس» و»الجهاد الإسلامي» في أطرها، بعد فترة من انتهاء الحرب، ولكن بأوزان مختلفة وفق ما تؤول إليه نتيجة الحرب. إذ ستسعى «حماس» لمراكمة إنجازها العسكري بحصاد سياسي يتمثل في قيادة المشروع الوطني الفلسطيني، بعد أن أظهرت السلطة الفلسطينية عجزاً جلياً أثناء العدوان الصهيوني على غزة. غير أن السلطة، ومعها «فتح»، ستسعى بصورة حثيثة وبكل ما أوتيت من قوة لحرمان «حماس» من تحقيق هذا الإنجاز.
وهنا سيقف البرنامج السياسي حجر عثرة عند الإيغال بعيدا في تطبيقات تفعيل منظمة التحرير، إزاء غياب الأرضية السياسية المشتركة بين «فتح» و»حماس»، بدون أن تسهم وثيقة «المبادئ والسياسات العامة» الرسمية لحماس، في مايو 2017 بالدوحة، في تقريب المسافة البعيدة بينهما، برغم غلبة اللغة السياسية الأقل تشدداً على خطابها العقيدي الأيديولوجي، وذلك بتأكيد «احترام الاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير مع سلطات الاحتلال، إذا التزمت الأخيرة بها، ولكن بدون الاعتراف بالكيان الصهيوني»، بما يخالف شروط «فتح» المُسبقة للقاء بكين.
وليس مستبعداً أن يبرز الشد، أيضاً، عند مشاورات تشكيل «حكومة الوفاق الوطني المؤقتة» ومسار عملها، أو إجراء الانتخابات، أو عند إعادة إعمار القطاع، وفي مرحلة حكم غزة، فيما ستطل قضية التنسيق الأمني بين أجهزة السلطة والاحتلال برأسها الثقيل على أفق أي تحرك للمصالحة، في ظل تباين منظور «فتح» و»حماس» حيال تفسير بنود الاتفاق، والمغزى المستفاد من مضمونه.
أما المُعضلة الأكبر فتتمثل في سيطرة الاحتلال الصهيوني على ثلاثة ملفات وازنة، على الأقل، وهي الحكومة والانتخابات والأمن، وقدرته على تعطيلها وإفشالها، لاستفادته من توظيف الانقسام في مشروعه الصهيوني بفلسطين المحتلة، والركون إلى واقع القطيعة بين الضفة وغزة للتدليل على مزاعم انتفاء ركائز إقامة الدولة الفلسطينية المتصلة على حدود العام 1967.
إن حالة الانقسام الفلسطيني التي كانت سائدة قبل حرب غزة ستستمر بعدها، إذ ليس مُقيضاً أن تزول الخلافات العميقة بين «فتح» و»حماس» في الأفق القريب على الأقل، إزاء خطابين متناظرين لم يُقيض لهما التلاقي حتى الآن، أحدهما يدعو إلى التسوية السلمية بإخضاع القضية الفلسطينية لموازين القوى فقط، مقابل آخر يتبنى خط المقاومة خياراً استراتيجياً لمواجهة الاحتلال الصهيوني ونيل الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة.