الطيبون.. أحمد حسن الزعبي

في كل مرة أنزل فيها إلى “قصر العدل” أزداد إصراراً أن العدل لا يحتاج إلى قصر، بقدر ما هو بحاجة إلى قلب وطني حجراته مشغولة بالضمير فقط..
**٠

الأربعاء الماضي نزلت إلى مكتب المدعّي العام إثر شكوى تقدّم بها وزير سابق عن طريق وحدة الجرائم الالكترونية فقط لأنني صححّت له “مفهوم الوطن” وقيمة الشعب،فانزعج من دفاعي عن ركنيّ الدولة وشكاني للقضاء..

على أية حال ،في كل مرّة أدخل فيها قصر العدل أشعر بنشوة غريبة ، الدعاء الذي نتلقّاه في الممرّات نعتبره حكم مسبق في القضية ،التبرّع السخّي من الأصدقاء والمحامين في الترافع مجّاناً لا يقدر بثمن ، كل هذا وأنت تخطو الخطوات الأولى من باب القصر إلى قاعة الإدعاء العام ،كل كلمة، كل مؤازرة، كل “دعاء صادق”، كل دعوة على فنجان قهوة تفرش لك طريق الحق و تشعرك أن الوطن أنصاره كثر ، والأردن عزوته كبيرة وكبيرة جدّاً..كل هذه المواقف تُحييني بالطبع وتجعلني احلّق عالياً ..الا أن موقفاً واحداً أثّر بي إلى أبعد الحدود..في الزيارة الأخيرة لمكتب المدعي العام أحد شباب الأمن العام كان خائفاً عليّ أكثر من نفسي ، لازمني طيلة فترة انتظاري، يغيب ثم يعود والقلق في عينيه يسألني إن كنت أحتاج أية مساعدة ..فأشكره على طيب أصله ، لم يكن مطلوباً منه أن يكون ودوداً إلى هذا الحدّ ، أو يبدو قلقاً إلى هذا الحدّ ، سيما وان من يجلس قربه مجرّد مواطن بسيط يراجع قصر العدل لأجل شكوى اعتيادية ، لكنّه لم يستطع أن يخفي أردنيته التي أزهرت من تحت لباسه العسكري..
مرّت دقائق قليلة ، فدعيت إلى مكتب سعادة المدعّي العام ،كان الرجل في قمة الاحترام والتواضع والمهنية والوطنية أيضاَ استمع إلى إفادتي ،سجّل أقوالي ثم ابتسم وأذن لي بالمغادرة..ما أن فتحت الباب ولم أخط خطوة واحدة حتى كان ذاك الشرطي يقف أمامي ويحمل بيده قارورة ماء شبه مثلّجة ، قال وهو يتنهّد : (الحمد لله..كنت خايف تتوقّف!)..(أكيد عطشت جوه ،هاي جبتها لك)..هذا الموقف البسيط ، العادي جدّاً، كان بنظري عظيم وعظيم جداً ، هذا الموقف يعيد تعريف من “نحن”!!.. نحن “الأردن”..لا كما يريد البعض أن يصورنا همج وعشاق فوضى و زعران و” بلطجية فاردات”.. نحن الطيبون الأصلاء العقلاء ، نحن وجه الأردن الحقيقي..
أخيراً ، كلما غادرت قصر العدل ونزلت عن درجاته القليلات..ردّدت في نفسي ذات العبارة : العدل ليس في كتب القانون..العدل الحقيقي هنا في العيون!!.

مقالات ذات صلة