العرب في ميزان البحث العلمي والتطوير

أسامة أبو رشيد

حرير- تسعى السعودية إلى تنويع مصادر دخلها واقتصادها وتقليل اعتمادها على النفط بشكل أساسي، ومن ثمَّ فهي أطلقت “رؤية 2030” الطموحة، التي تهدف إلى تطوير الصندوق الاستثماري (السيادي) وتعزيزه، فضلاً عن قطاعات الصناعة والطاقة والتعليم والسياحة والصحة وتنمية القدرات البشرية. ويندرج تطوير الرياضة السعودية ضمن الرؤية ذاتها، إذ أطلقت المملكة أخيرا مشروع “الاستثمار والتخصيص” للأندية الرياضية لكرة القدم، بهدف جعل الدوري المحلي من العشرة الأقوى في العالم ورفع قيمته التسويقية إلى ملياري دولار سنوياً. وفي هذا السياق، سعت فرق رياضية سعودية إلى التعاقد مع نجوم عالميين، كنادي النصر الذي ضمَّ النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو إلى صفوفه قبل أشهر، في صفقة تقدر بأكثر من 440 مليون يورو لسنتين ونصف سنة. وقبل أيام، نجح فريق الاتحاد في ضم النجم الفرنسي كريم بنزيمة مقابل مائتي مليون يورو على مدى سنتين. في حين رفض النجم الأرجنتيني ليونيل ميسّي عرض نادي الهلال المقدّر بحوالي مليار يورو على مدى موسمين رياضيين. ولا زالت أندية سعودية أخرى تسعى إلى التعاقد مع نجوم آخرين، كالأرجنتيني آنخل دي ماريا، والإسباني سيرخيو راموس، والكرواتي لوكا مودريتش. وبغض النظر عن مدى الإثارة في هذه المقاربة الرياضية، إلا أنها تثير أسئلة كثيرة بشأن نجاعتها اقتصادياً، دع عنك ضمان تنمية مستدامة ومتنوعّة.

أعلنت الهيئة الوطنية للإحصاء في الصين، العام الماضي (2022)، إن إجمالي الإنفاق على البحث العلمي والتطوير في البلاد لعام 2021 بلغ 456 مليار دولار، بزيادة 10.4% على أساس سنوي. وحسب الهيئة، أنفقت الصين في ذلك العام 2.55% من الناتج المحلي الإجمالي على البحث العلمي والتطوير، خصوصاً في قطاعات: التكنولوجيا الفائقة (الهايتك)، والتكنولوجيا العسكرية، وأشباه الموصلات، وخدمات البثّ والبرمجة، إلى جانب الصناعات العسكرية. ومن المعلوم أن الصين تنافس الولايات المتحدة على زعامة العالم اقتصادياً. قارن ما أنفقته الصين بما أنفقته الولايات المتحدة على البحث العلمي والتطوير في العام نفسه، لتجد أن الأخيرة التي تستشعر التهديد الصيني لمكانتها عالمياً قد أنفقت حوالي 792 مليار دولار. وحسب تقرير أصدره معهد يونسكو للإحصاء عام 2022، وصل حجم الإنفاق العالمي على البحث والتطوير إلى مستوىً قياسي بلغ نحو 1.7 تريليون دولار. وبيّن التقرير أن عشر دول تستحوذ على 80% منه، للأسف، لا توجد من بينهم دولة عربية واحدة. هذه الدول، بعد الولايات المتحدة والصين، هي: اليابان، ألمانيا، كوريا الجنوبية، فرنسا، الهند، بريطانيا، روسيا، والبرازيل.

وهذا لا يعني أنه لا ذكر للدول العربية في التقارير الدولية حول حجم الإنفاق على البحث العلمي والتطوير، إذ يفيد تقرير، صدر العام الماضي (2022) عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، بأن “الدول العربية، بشكل عام، تتخلف عن أقرانها في البحث والتطوير والابتكار”، وأن “الاقتصادات العربية ذات الدخل المرتفع تنفق في المتوسط 0.5% فقط من الناتج المحلي الإجمالي على البحث والتطوير، بينما يبلغ المتوسط 2% في الاقتصادات المتقدّمة”. وإذا أخذنا بتقرير للبنك الدولي عام 2021، صرفت السعودية، مثلاً، على البحث العلمي والتطوير، في العام 2020، أكثر بقليل من 0.5% من ناتجها المحلي الإجمالي، وهو ما يضعها في المرتبة 62 عالمياً. قارن ذلك بإسرائيل التي صرفت في العام نفسه ما نسبته 5.4% من ناتجها القومي الإجمالي على البحث العلمي والتطوير، وهو ما جعلها في المرتبة 19 عالمياً. طبعاً، ليس هذا الضعف الهيكلي والبنيوي حصراً على السعودية، إذ إنها معضلة عربية متأصّلة، على تفاوت بينها، بل إن السعودية متقدّمة على غالب الدول العربية في هذا المجال، وهو ما يعطيك صورة عن مدى قتامة المشهد.

ثمَّة إدراك واسع بين الدول أن التنافس على الريادة العالمية يمرّ إجبارياً عبر الاستثمار أكثر في البحث العلمي والتطوير، ومن لا يفهم هذه المعادلة سيكون على الهامش التاريخ وخارجه. هذا واقع لا نريده لأنفسنا نحن العرب. ومن ثمَّ، كم نتمنّى، في الوقت الذي ينافس فيه بعض العرب على شراء منظومات الأسلحة المتطوّرة وبناء ناطحات السحاب وتعزيز الفرق الرياضية … إلخ، أن نكون ضمن الأطراف المزاحمة على امتلاك المعرفة والقدرة على تطوير أنفسنا ذاتياً، وفي كل المجالات، من التكنولوجيا والطب والسلاح والهندسة والعمارة إلى العلوم الإنسانية والاجتماعية.

مقالات ذات صلة