نذر تصعيد أميركي روسي في سورية

دلت المواقف الأميركية المتتالية على مدى الأيام الماضية، بما في ذلك تصريحات قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال جوزيف فوتيل، أمس الأربعاء، أن منظومة صواريخ “إس 300” للدفاع الجوي التي سلمتها روسيا للنظام السوري قبل أيام ستتحول إلى عنوان إضافي للخلاف بين البلدين في الملف السوري.
ووصف قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال جوزيف فوتيل تسليم المنظومة بأنه “رد غير محسوب”، بعدما أسقطت المضادات السورية طائرة روسية من طراز إيل 22 عن طريق الخطأ، بسبب استخدامها كغطاء من قبل مقاتلات إسرائيلية كانت تنفذ غارات جوية في سورية خلال شهر سبتمبر/أيلول الماضي، وهو ما ردت عليه روسيا بتسليم النظام السوري صواريخ “إس 300”. ورأى فوتيل أن عملية نشر الصواريخ ستساعد في حماية الأنشطة الإيرانية في سورية، وهو ما تسبب في غارات جوية شنتها إسرائيل. وفيما اتهم إيران بأنها “تنقل أسلحة متطورة وخطيرة إلى سورية”، هدد بأن “القوات الأميركية ستحاسبها في حال تهديدها أمننا ومصالحنا”. كما لفت في مؤتمر صحافي إلى أن “لدى القوات الأميركية القدرات العالية للتعامل مع نظام إس 300 الروسي”، مشيرا إلى أن هذا النظام الصاروخي “يشكل خطرا على أمن الطيران المدني”.

وجاء موقف فوتيل متطابقاً مع تصريحات لمسؤولين أميركيين على مدى الأيام الماضية، إذ أكد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، يوم الثلاثاء، أن توريد روسيا لمنظومة “إس 300” للدفاع الجوي إلى سورية، يشكل “تصعيداً خطيراً”، فيما كان قد هدد قبل ذلك بأن الولايات المتحدة ستحاسب روسيا إذا أقدمت على تسليم المنظومة للنظام السوري. بدوره كان مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون حذر قبل أيام من تداعيات قرار موسكو إمداد دمشق بمنظومات “إس 300″، واصفاً القرار بأنه “خطأ فادح” ويهدد بـ”تصعيد خطير” في المنطقة.

في غضون ذلك، عادت محافظة إدلب وشمال غربي سورية إلى واجهة الأحداث السورية، فمع اقتراب يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول الحالي الموعد المقرر لسحب السلاح الثقيل من المنطقة العازلة المقررة إقامتها في إدلب، بناء على الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الطرفين التركي والروسي في سوتشي في 17 سبتمبر/أيلول الماضي. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان أمس الخميس، بأن “السلطات التركية أبلغت الفصائل الإسلامية والمقاتلة المقربة منها، بضرورة تسليمها قائمة بأسماء وأعداد مقاتليها مصحوبة بنوع السلاح الذي يمتلكه كل مقاتل من مقاتليهم، وسيجري استبعاد كل من لا يوضع على القائمة أو كل من لا يملك سلاحا، وذلك ضمن المنطقة العازلة وخارجها”، من دون أن يصدر أي موقف رسمي من تركيا أو من الفصائل في المنطقة يؤكد صحة هذه المعطيات. لكن مصادر تركية مطلعة على تفاصيل ما يجري في إدلب، ومنها مخابراتية، نفت لـ”العربي الجديد” صحة هذه المعلومات

في غضون ذلك، كانت وزارة الخارجية الروسية، تقول أمس إن “جزءاً من المعارضة السورية في إدلب يدعم وجود المنطقة منزوعة السلاح في المحافظة”. وتولت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، التصويب على “التنظيمات المتشددة والراديكالية وبشكل أساسي جبهة النصرة التي تواصل التحضير للقيام باستفزازات في إدلب”. وأضافت أن “التنظيمات الإرهابية بعد تنفيذ الاتفاقات الروسية التركية، ونتيجة لخشيتها من العزلة، بات أفرادها يقومون بأنواع مختلفة من الاستفزازات ويحافظون على الوضع حول محيط منطقة خفض التصعيد في إدلب، ويدعون إلى استمرار المقاومة المزعومة”.

في هذه الأثناء، كان المبعوث الأممي الخاص إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، يشدد على أهمية الأشهر الثلاثة المقبلة لإرساء الاستقرار في إدلب، وتشكيل اللجنة الدستورية. وخلال ندوة في تركيا، حذر دي ميستورا أمس من أن الحالة القائمة في سورية “خطرة، فهناك جيوش لبلدان عديدة، ونحن لا نريد حروباً بالوكالة”. ولفت إلى أن “المفاوضات السياسية والعسكرية يجب أن تكون موجودة”، داعياً “لقبول اتفاقية إدلب وأن تكون حية ومستدامة”، معتبراً أنه “عبر حل الأمور من قِبل تركيا وروسيا والناشطين على الساحة يمكن حماية ثلاثة ملايين شخص في إدلب”. ولفت إلى أن “المدنيين داخل إدلب يقولون لسنا إرهابيين ويريدون إسماع صوتهم للعالم، ويجب أن نعطي في الأشهر الثلاثة المقبلة فرصة للتوازن”، فيما ينتظر أن تشهد إدلب تظاهرات جديدة اليوم.

وفي السياق نفسه حذر وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، من محاولة قلب التوازن في تشكيل اللجنة الدستورية، وقال “إن هناك 3 قوائم قدمها النظام والمعارضة والمجتمع المدني في سورية بشأن مباحثات تشكيل اللجنة الدستورية، وإن بعض الدول تحاول قلب التوازن اللازم في هذا الصدد لصالح النظام، لكن الأمور لا تسير هكذا”. وأضاف خلال مشاركته مع نظيره الهولندي ستيف بلوك في جلسة خاصة بعنوان “البحث عن سلام عادل في عالم متشرذم”، أقيمت أمس الخميس، على هامش المنتدى الفكري الذي تنظمه القناة التركية الرسمية الناطقة بالإنكليزية “تي آر تي وورلد” بمدينة إسطنبول التركية، أن الاتفاق الذي أبرمته تركيا مع روسيا بشأن محافظة “إدلب” السورية، منع حدوث كارثة إنسانية، وحال في نفس الوقت دون موجة نزوح نحو الأراضي التركية وأوروبا. وأضاف: “الآن فتحت نافذة جديدة من أجل الحل السياسي (..) ونحن نشجع جميع شركائنا على التركيز أكثر على العملية السياسية”.

وفيما يقترب موعد تطبيق اتفاق سوتشي ينتظر أن يشهد الشمال والشمال الغربي لسورية تظاهرات جديدة، اليوم الجمعة، على غرار التظاهرات التي خرجت في الأسابيع الماضية. وتتزامن التظاهرات معتزايد الشكاوى من فلتان أمني في ظل انتشار كثيف للسلاح العشوائي، وعمليات اغتيال وخطف غالبيتها تُرتكب من قبل مجهولين. ووثّق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 339 شخصاً منذ إبريل/نيسان الماضي وحتى مطلع الشهر الحالي في شمال غربي سورية من خلال تفجير مفخخات وعبوات ناسفة، وإطلاق نار في سياق الفلتان الأمني الذي تشهده المنطقة.

وقالت مصادر محلية، لـ”العربي الجديد”، إن “تلك الحوادث أصبحت جزءاً من حياتنا اليومية، حتى نكاد نعتاد فكرة مقتل شخص هنا وخطف آخر هناك، ودوي انفجار هنا أو إطلاق رصاص هناك، فجزء كبير من الناس مسلح”. وأضافت “آخر الحوادث العثور يوم الأربعاء الماضي على جثتي شابين من فصائل درع الفرات، قُتلا على طريق قريتي البل والشيخ ريح في ريف حلب الشمالي على يد مجهولين، فيما لم تتوفر معلومات حول الجهة الخاطفة أو المنفذة للعملية، ليرتفع إلى ثمانية أشخاص عدد ضحايا هذه الحوادث منذ مطلع الشهر الحالي”. وفي الإطار نفسه، قالت مصادر محلية إن مدينة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي شهدت الأربعاء عملية خطف مدني من أمام أحد المساجد في المدينة، فيما جرى أمس الخميس اختطاف شقيقين اثنين من مسلحين مجهولين، في منطقة معارة الأخوان في شمال إدلب، كما فقد رجل حياته متأثراً بجراحه جراء انفجار عبوة ناسفة بسيارته في بلدة اسقاط شمال غرب إدلب.

على جبهة أخرى، يتزايد استياء أهالي السويداء جنوب سورية، من موقف النظام السوري من ملف مخطوفي السويداء، والذي يصفه كثير من الناشطين بـ”السلبي”، إذ لا يلمس الأهالي أي مسعى جدي لإطلاق سراح المخطوفين لدى تنظيم “داعش” منذ يوليو/تموز الماضي، ما دفعهم إلى القيام باعتصام مفتوح أمام مبنى المحافظة منذ يوم الأربعاء، مطالبين بإعادة المخطوفين وهم على قيد الحياة.

ودعا أهالي مختطفي ريف السويداء الشرقي، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أهالي المحافظة للمشاركة بالاعتصام الذي بدأوه الأربعاء أمام مبنى المحافظة، قائلين “لنطالب أصحاب القرار ومسؤولي الدولة ومشايخ العقل وكل أصحاب السلطة بأن يردوا لنا أطفالنا ونساءنا من أيادي الإجرام”، وفق بيان شدد على أن الاعتصام مستمر حتى عودة المختطفين لدى “داعش”. وكان التنظيم أعدم يوم الإثنين إحدى المختطفات، مهدداً بإعدام الأخريات في حال عدم استجابة النظام لمطالبه خلال ثلاثة أيام، والتي تضمّنت إيقاف القصف على منطقة تلول الصفا في ريف السويداء التي يتحصن بها مسلحون تابعون للتنظيم، وإطلاق سراح نساء التنظيم المحتجزات لدى النظام.

وقال أحد المشاركين في اعتصام السويداء، لـ”العربي الجديد”، إن “وفداً عسكرياً زار المعتصمين أمام مبنى المحافظة وحاول إقناع أهالي المخطوفين بإلغاء الاعتصام”، مضيفاً “نسمع الكثير من الرسائل التي تأتي من قِبل ممثلي النظام، منها أن السويداء ليست ذات أهمية للسلطة، وليس لدى النظام مشكلة أن تبقى غارقة بالفوضى لسنوات، وأخرى أن السويداء لن تشهد استقراراً إلا عندما يلتحق عشرات الآلاف من الممتنعين عن الخدمة العسكرية بقوات النظام، وثالث يتحدث عن صفحة السويداء السوداء لدى النظام، وكل ذلك في محاولة لابتزاز المحافظة”. وأضاف أن “هناك شكوكاً كبيرة أن يكون ملف المخطوفين استخباراتياً إقليمياً، وعليه يجب أن يتدخل الروس للوصول إلى تسوية”.

من جهته، قال ناشط آخر، طلب عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، لـ”العربي الجديد”، “لا نستطيع تفسير موقف النظام من السويداء، التي رفضت الانجرار إلى العمل العسكري، وما زالت تعلن أنها متمسكة بالدولة وبوحدة سورية، حتى يمتنع عن لقاء أهالي وممثلي المحافظة، وعلى رأسه رئيس النظام بشار الأسد، إذ طلب أهالي المخطوفين مقابلته منذ أسابيع، وحتى مشايخ العقل تقدّموا بطلبات للقائه، لبحث ملف المخطوفين، فلا أحد من ممثلي النظام في المحافظة لديه معلومات، الأمر الذي يدفع بشريحة واسعة من الأهالي لاتهام النظام بالتقصير”.

مقالات ذات صلة