الأردن بين الاقتصاد و«التكيف»

بسام البدارين

حرير- التدقيق والانتباه ثم الحذر «واجب وطني» عندما يتعلق الأمر بترديد مقولات ونظريات «تخدش» قيمة المشاريع الاقتصادية الكبيرة التي أعلنت عنها حكومة الأردن مؤخرا بآلة حادة تربط تلك المشاريع بـ«مسارات التكيف» أو «التسويات الإقليمية السياسية».

يوضح لنا الآن ظهور اجتهادات خلفية تغذت عليها بعض «الشائعات» ودورها السلبي، مثل تلك التي قالت بأن الفاضلة الفلسطينية الدكتورة حنان عشراوي «تملك» قطعة أرض كبيرة في مشروع المدينة الجديدة على أكتاف العاصمة عمان.

تم الزج شعبويا باسم عشراوي لكنها تفضلت وتكفلت بالرد، وأبلغت أنها تستغرب الزج باسمها ولا تملك شبرا واحدا من الأرض في الأردن ولم تملك في الماضي ولا تخطط لتملك أي عقارات في المستقبل.

نفهم من سياقات الحكومة أنها تناضل للدفاع عن مشاريعها الاقتصادية الاستراتيجية.

ونفهم من الناطق الرسمي باسم الحكومة هنا أن الرأي العام عليه تجنب استهلاك الشائعات والتسريبات السلبية.

ذراع القانون جاهزة للتصرف مع مروجي الشائعات وهذا ما ألمحت إليه الحكومة بوضوح، لكن في الواقع الشائعات حول هذا المشروع وغيره لم تتوقف مما يوحي ضمنا بسلسلة تسريبات قد تكون منظمة.

التعاطي مع مروجي الشائعات هو المهمة الأسهل. الأصعب هو الرد على شخصيات سياسية مقدرة ومحترمة وخبيرة ولا مجال للمزاودة عليها وطنيا تعرض بعض مخاوفها من وجود تيار يقايض أو يمكن أن يقايض المشاريع الاقتصادية بتسويات سياسية مريبة تنكر مخاطر اليمين الإسرائيلي.

في كل حال من يقولون بوجود علاقة ما غامضة أو مريبة بين حزمة من المشاريع ومسارات أو تسويات سياسية لاحقا لها علاقة بالقضية الفلسطينية عليهم عبء الإثبات.

لا مبرر للغرق في التأويلات والتكهنات على خلفية نكايات سياسية أو صراعات بين مراكز قوى.

الحكومة التي تعمل اليوم على إنضاج مشاريع حيوية تخفف من البطالة وتؤدي إلى التنويع الاقتصادي وتستقطب رأس المال تستحق «فرصة» ويستوجب شكرها «إذا كانت جدية» وأثبتت ذلك.

عبء الإثبات على المشككين لكن عبء التأكيد على «نقاء التخطيط» وإنتاجيته تتحمل مسؤوليته الحكومة ومؤسساتها.

وفي كل حال لا ينبغي ترك الروايات وحيدة ويتيمة ولا التفاعل معها بسلبية وتشكيك خصوصا عندما تصدر عن «ثقات» وخبرات مقدرة.

ما نقترحه على رئيس الوزراء وطاقمه الاقتصادي ورموز الحكومة، التحدث بصراحة أكثر وبالتفاصيل مع الجمهور والشعب لأن مستوى الارتياب الذي أنتجه اليمين الإسرائيلي تحديدا في أذهان الأردنيين بعد جرائمه الدموية وصل إلى منسوب لا يمكن التعامل معه بالأدوات القديمة.

نقترح وبحرص على الحكومة أن تجتهد ليس في عرض مساحات المشاريع التي تخطط لها فقط.

ولكن في إظهار الجدية والتحدث بالتفاصيل والرد في الوقت المناسب على أي روايات او سرديات سلبية.

الذهن الجماعي للأردنيين مرتاب بطبيعة الحال.

والسبب في الارتياب هو إحساس المواطنين عموما بأن حكومتهم لا تتحدث معهم بالشأن والملف السياسي واليمين الإسرائيلي قد يمزق الأحلام الوطنية وقد يذهب في اتجاه ومسارات التهجير وتفريغ الضفة الغربية وغزة من السكان.

الثوابت المرجعية معلنة وحيوية ونشطة في كل القنوات والمستوى التنفيذي مطالب بالسهر الشديد على التصرف في كل صغيرة وكبيرة في ظلها وإظهار أن «المؤسسات» لا تخالف ولا تنوي مخالفة الثوابت المجمع عليها وطنيا بصرف النظر عن الكلفة.

بعض تصرفات الحكومة غير مقنعة لأنها تترك الأسئلة في مرمى التأثير في الرأي العام وتترفع عن تقديم الإجابات.

الشعب الأردني خائف وقلق ويحتفظ بسجل معاناة كبير مع حكومات سابقة طرحت مشاريع تبين أنها أقرب إلى «وهم» ومع مسؤولين ووزراء من مدرسة « شعبنا عبء على الدولة» مع أن الوزراء هم العبء أحيانا.

خطاب الثوابت الملكية تحديدا حازم وصارم وقوي في شدته ويعبر عنه وزير الخارجية في كل المحافل.

لكن في المستوى الإجرائي والبيروقراطي ثمة إشارات استفهام كثيره وإجراءات وقرارات ومسارات غير مشروحة كما ينبغي، وذلك يقع حصرا في منطقة واجب الحكومة في الشرح والتفصيل.

القول بأن البلاد تستعد اقتصاديا وتنمويا لمخرجات جديدة لها علاقة بمسارات التكيف خطير وحساس، وعلى من يزعمه أو يتبناه اليوم تقديم الأدلة المباشرة والقرائن، لأن ذلك فعلا قد يتكفل بإعاقة الاستثمار وبالمساس بخطط اقتصادية طموحة.

صحيح أن الأردني يتحدث عن وجود أزمة أدوات. صحيح أيضا أن الرأي العام لا يشعر بوجود زعامات وطنية في إدارة الجهاز الحكومي حيث يغيب الشرح والتفصيل وتغيب قيمة فهم كيفية مخاطبة الشعب الأردني.

وصحيح أن بيننا هواة سياسة ورموز «تكيف» يروجون للسلبية والخوف أكثر من الصلابة والصمود في وجه الابتزاز. لكن صحيح بالمقابل أن الثوابت الأردنية معروفة للقاصي والداني وتمثل مخزونا استراتيجيا بعيدا عن اجتهادات يمكن الاستغناء عنها لأنها تلحق ضررا بالدولة وهي أغلى ما يملكه الأردنيون في هذه المرحلة الصعبة.

يحتاج الأردنيون لاحتواء الشائعات بكفاءة مهنيا وليس لتصريح يصدر بالقطعة والتقسيط هنا أو هناك بين الحين والآخر.

مقالات ذات صلة