
لهذا السبب إسرائيل تدعم «أرض الصومال»
محمد عايش
حرير- ثمة سبب رئيسي واحد وراء الاعتراف الإسرائيلي بما يُسمى «أرض الصومال»، وهو أن إسرائيل تدعم أي انقسام، أو خلاف أو نزاع في المنطقة العربية، وتريد تقسيم المنطقة إلى دويلات أصغر وأضعف، وهذا التقسيم يخدم المشروع الصهيوني دون غيره، ويجعل إسرائيل أكثر تفوقاً على غيرها في المنطقة.
أما كل ما قيل من أسباب وتحليلات تتعلق بالاعتراف الإسرائيلي، فهي ليست سوى أسباب ثانوية وهامشية، مثل استخدام «أرض الصومال» كقاعدة انطلاق للطيران الإسرائيلي، أو إقامة قاعدة عسكرية إسرائيلية في افريقيا، أو غير ذلك، فهذه كلها واردة لكنها ليست أهدافاً استراتيجية، ولا هي الهدف الرئيس من هذا الاعتراف الإسرائيلي.
من يقرأ ويدرس السياسات الإسرائيلية في المنطقة، يُدرك أن الاحتلال يعمل على إذكاء الصراعات والانقسامات الداخلية، ويستفيد من الخلافات البينية العربية والأزمات المحلية، التي تعاني منها الأقطار العربية، وهذه سياسة إسرائيلية ثابتة وواضحة منذ عقود، وقد دفعت الشعوبُ العربية ثمنها غالياً طوال الفترة الماضية.
خلال الشهور الأخيرة تدخّل الإسرائيليون لتقديم الدعم والمساندة لتيار حكمت الهجري في مدينة السويداء السورية، وظاهر الأمر أنهم يريدون حماية الدروز من تغول الطوائف الأخرى، لكن حقيقته أنهم يريدون إضعاف الدولة السورية الوليدة، ويريدون خلق فتنة داخلية، ويرغبون في التدخل في الشأن الداخلي السوري؛ إذ أن الدروز آمنون في سوريا طوال تاريخهم، ولم نعلم، أو نسمع أن أحداً استهدفهم من قبل، لا خلال حُكم عائلة الأسد ولا بعد سقوطها.
قبل سوريا والصومال، كان الإسرائيليون جزءاً أساسياً ومركزياً من التقسيم الطائفي في لبنان، وطوال 18 عاماً من الحرب الأهلية، كان الإسرائيليون يلعبون دوراً محورياً في إذكاء الصراعات بين الطوائف، ومن المعلوم بالضرورة أن إسرائيل كانت تقدم التمويل والدعم العسكري واللوجستي لميليشيات موالية لها، بما في ذلك «جيش لبنان الجنوبي»، الذي كان يُطلق عليه اللبنانيون اسم «اللحديون»، أو «ميليشيا لحد» نسبة إلى زعيمه أنطوان لحد، الذي هرب إلى إسرائيل بعد تحرير جنوب لبنان عام 2000 وعاش في تل أبيب حتى وفاته عام 2015. سبق أن دعمت إسرائيل الانفصاليين في جنوب السودان، الذين خاضوا حرباً شرسة مع الخرطوم، استمرت سنوات طويلة حتى تمكنوا من الانفصال والاستقلال فعلاً، ويسود الاعتقاد أن تل أبيب تُقدم الدعم حالياً لقوات «الدعم السريع»، التي تقوم بارتكاب مجازر يومية في أنحاء مختلفة من السودان، وتريد الاستيلاء على السلطة بعد التغلب على الجيش الوطني. تريدُ إسرائيل أيضاً تفتيت اليمن إلى شمال وجنوب، وتريد تفتيت العراق على أساس طائفي أحياناً، وقومي أحياناً أخرى، كما أن الإعلام الإسرائيلي والأدوات الموالية له يُغذي النزعات الاقليمية والعنصرية التي تظهر بين الحين والآخر في الدول العربية، ففي الأردن يريدون تقسيم المجتمع، بين من تعود أصوله إلى شرق النهر، ومن تعود أصولهم إلى غربه، وكذلك الحال في ليبيا، والمغرب، ودول عربية متعددة.
إذن، الاعترافُ الإسرائيلي بدولة «أرض الصومال» يندرج في هذا السياق ولا يخرج عنه مطلقاً، فالسياسة الإسرائيلية تقوم على تفتيت المنطقة وإضعافُ دولها، وجعلها لقمة سائغة، وتريد تل أبيب إشعالَ الصراعات البينية والداخلية في أقطارنا العربية لجعلنا نلهث نحنُ العرب على أبواب تل أبيب، من أجل الحصول على الاعتراف والدعم والتأييد والتمويل، في مواجهة بعضنا بعضاً. وفي الوقت ذاته فعلينا أن نعترف بأنّ أيَّ صراع عربي داخلي، وأي انقسام في بلادنا فهو نجاحٌ جديد للمشروع الإسرائيلي، وانكسار جديد للمشروع العربي، وخطوة جديدة للوراء بالنسبة للدول العربية التي تعاني من التباعد والتشرذم، بدلاً من تعزيز العمل العربي المشترك.



