لماذا التراخي؟!.. محمد أبو رمان
للمرّة الأولى يحكم قاض في محكمة شرق عمان بـ”عقوبة بديلة” عن السجن على أحد المتهمين، وهو تعديل جديد على قانون المحاكمات الجزائية، أصبح ساري المفعول منذ شهر آذار الماضي يتيح للقضاة استبدال السجن (الذي أقلّ من عام، ويجوز للقاضي فيها وقف التنفيذ) بعقوبات بديلة، تتمثل في عدد ساعات معينة من الخدمات الاجتماعية لدى إحدى المؤسسات الاجتماعية، ويكون الشخص المعني تحت الرقابة.
كان المقترح الأصلي للعقوبات البديلة، وحتى اقتراحات لجان متخصصة شكّلت سابقاً لتطوير القضاء، بأن تشمل العقوبات 3 أعوام وما دون، لكن التعديل الجديد حجّمها بأقل من عام، ما يفقدها جزءاً رئيساً من قيمتها الاجتماعية والثقافية المطلوبة، مع ذلك دعونا نعتبرها خطوة أولى للتوسع والتطوير لاحقاً.
على العموم هذا التعديل فيه قيم عظيمة وممتازة، وتأخر استدخاله، والمهم أن يتم تنفيذه بصورة صحيحة، بل نطمح أن يكون خطوة أولى نحو تعزيز هذا المفهوم (العقوبات البديلة)، والغريب أنّه إلى الآن لم يتم الحكم بهذه العقوبة البديلة، إلاّ من قبل قاضٍ واحد، وبعد قرابة سبعة أشهر من سريان القانون المعدّل الجديد!
لستُ مختصاً بالقضاء، ولا أملك تصوّراً دقيقاً عن القضايا والتهم التي من الممكن أن تدخل في هذا الإطار- أي العقوبة البديلة- لكن نظراً للتحولات الاجتماعية والاقتصادية الكبيرة التي تحدث، واختلال توازن نسبة كبيرة، ما ينزلق بكثير من المواطنين إلى المحاكم، ثم العقوبات، مثل بعض النساء والقروض، قضايا العنف الأسري، وبعض الشباب الذين يتعاطون المخدرات وليست لهم أسبقيات، أو حتى الشباب المتهّمين بالترويج للإرهاب، من دون وجود أي صلات حقيقية بينهم وبين الجماعات المتشددة (للأسف أغلب هؤلاء مدة محكوميتهم تتجاوز العام)، أو بعض المشاجرات والشكاوى العبثية..الخ.
بالضرورة لا تدخل كل القضايا التي أوردتها سابقاً ضمن هذا الإطار البديل للعقوبات، لكن ما نتمنّاه بالفعل أن نجد أوسع مدى لتطبيقه، والأسباب المادية – أي تلك المرتبطة بكلفة النزلاء في السجون- من المفترض أن تكون آخر همّنا فعلاً، وإنّما المطلوب أن ننقذ عائلات وأجيالا – في سياق التحولات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية الحالية- من مآلات الحكم بالإعدام الاجتماعي أو التورّط أكثر في مسار مخالفة القوانين.
هذا المسار الجديد (العقوبات البديلة) يساعد المجتمع على استعادة أولئك الأشخاص وعدم خسارتهم بصورة أكبر، داخل مراكز الإصلاح والتأهيل التي أصبحت للأسف الشديد، طريقاً للتجنيد، سواء للجريمة والتطرف، وغالباً ما تؤدي كما يقول المختصون إلى “العدوى الجرمية”، بأن يعود الشخص للسجن، وهذا ما لاحظناه بشدة في دراستنا عن التطرف والإرهاب في الأردن، إذ تحولت مراكز الإصلاح إلى مؤسسات وجامعات للتجنيد والتنشئة على هذا النوع من الفكر!
تحدّث وزير العدل، د. عوض أبو جراد، أنّه تمّ توقيع 8 اتفاقيات مع وزارات ومؤسسات من أجل استقبال هؤلاء الأشخاص، وذكر بأنّ الدولة ستوفّر بذلك 20 مليون دينار (في حال تمّ تطبيقه بالصورة المرجوة)، لكننا سنوفر فعلاً أكثر من ذلك بكثير، على صعيد الكلفة الاجتماعية والثقافية والإنسانية والأمنية.
المهم أن تتوافر الإمكانيات والآليات المطلوبة من أجل تطبيق إيجابي لهذا التعديل، ما يتطلب متخصصين اجتماعيين ونفسيين يقومون بدور الرقابة، ومؤسسات متخصصة من قبل المجتمع المدني بهذه المهمة الرقابية.
تنويه واعتذار: في مقالة أمس ذكرت اسم الطفل الذي توفي في “اعتداء الفاردة” على سيارة والده خطأ، والاسم الصحيح هو هاشم الكردي، وأعتذر لأنّ الخطأ غير المقصود تسبب لآخرين بإزعاج وقلق.