“وحش” نتفليكس.. كيف تحوّل القتلة الحقيقيون إلى ظاهرة جماهيرية؟

حرير- بعد النجاح الكبير الذي حققه مسلسل “الوحش” (Monster) عن جيفري دامر عام 2022، تمضي نتفليكس في توسيع هذا المشروع بتحويله إلى سلسلة أنثولوجيا تصدر بمواسم جديدة كل عام، تُسلّط الضوء على أكثر القتلة الأميركيين رعبا وتعقيدا عبر التاريخ.

ورغم الإقبال الجماهيري، لا يزال الجدل قائما حول الحدود الأخلاقية لتقديم قصص القتلة الحقيقيين كمواد ترفيهية، خاصة لدى عائلات الضحايا التي ترى في هذه الأعمال نوعا من إعادة إحياء الألم وتمجيد الجناة.

ومما يزيد الجدل اشتعالا، الطريقة التي يتحول بها بعض القتلة إلى شخصيات تحظى بجمهور من المعجبين، ومن بينهم مشاهير. فقد أثار مقطع متداول على منصات التواصل الاجتماعي من أحد لقاءات أريانا غراندي جدلا واسعا، بعدما قالت إن الشخصية التي تتمنى تناول العشاء معها هي جيفري دامر، وهو ما يعكس، وفق كثيرين، كيف تغيّر نظرة المجتمع للقتلة والمجرمين عندما تتحول قصصهم إلى أعمال درامية ناجحة.

هل قتلت والدها أم نجت من العدالة؟

بعد إصدار موسم “إد جين”، أعلنت نتفليكس رسميا عن القصة التي سيتناولها الموسم الرابع من سلسلة “الوحش”، والتي تتمحور حول إحدى أكثر الجرائم إثارة للجدل في التاريخ الأميركي: قضية ليزي بوردن (Lizzie Borden)، المرأة التي اتُّهمت بارتكاب جريمة قتل وحشية عام 1892 ولا تزال تثير التساؤلات حتى اليوم.

برزت ليزي بوردن كفتاة هادئة ومتدينة تنتمي إلى عائلة غنية ومحافظة، لكنها عاشت تحت سلطة أب قاس وعنيف، وفي المقابل عانت داخليا من حياة خانقة. وقد عُثر على والدها مقتولا بـ11 ضربة فأس، بينما تلقت زوجته 18 ضربة. وبرغم وجود ليزي في المنزل وقت الجريمة، فقد أنكرت تماما أي علاقة بها، وتمت تبرئتها لغياب الأدلة القاطعة والشهود، ما جعل القضية لغزا مفتوحا حتى الآن.

تجسد إيلا باتي دور ليزي بوردن في الموسم الجديد، فيما يعود تشارلي هونام -الذي شارك في بطولة الموسم الثالث- ليقدم شخصية والدها، وتنضم ريبيكا هول بدور زوجة الأب.

بدأت سلسلة “الوحش” رحلتها مع جيفري دامر في الموسم الأول، حيث استعرضت كيف تمكن من ارتكاب جرائم مروعة على مدى سنوات دون أن يتعرض للمحاسبة. ركّز الموسم على دوافعه وحالته النفسية منذ الطفولة، وكشف بوضوح إخفاق النظام والشرطة في حماية الضحايا، وذلك بأسلوب بصري قاتم وواقعي.

وفي الموسم الثاني، تناولت السلسلة قضية الأخوين لايل وإريك منينديز المتهمين بقتل والديهما، حيث غاصت في تعقيدات العلاقات العائلية والظروف النفسية القاسية داخل المنزل، لتُظهر للمشاهد كيف يمكن أن تتكوّن دوافع القتل داخل بيئة أسرية مضطربة.

أما الموسم الثالث، الصادر هذا العام، فذهب إلى قصة أكثر غرابة ووحشية عبر تناول حياة إد جين، القاتل الذي اتُّهم بالقتل ونبش القبور بعد وفاة والدته. ورغم قسوة المشاهد وصدمتها، والتي اعتبرها البعض مقززة، فإن الموسم قدّم منظورا مختلفا حول الجذور النفسية للاضطرابات والسلوك الإجرامي.

هل نبحث عن فهم الظلام أم نستمتع به؟

تحوّلت قصص القتلة إلى ظاهرة ثقافية بارزة ألهمت أفلاما ومسلسلات وروايات نفسية وحتى محتوى على السوشيال ميديا. ومع كل موسم جديد، تقدم سلسلة “الوحش” (Monster) زاوية مختلفة من عالم الشر: من القتلة المتسلسلين، إلى العنف الأسري، وصولا إلى الاضطرابات العقلية والإرهاب النفسي. فهي لا تكتفي بسرد الأحداث، بل تضع المشاهد في قلب الجريمة، ليعيش تفاصيلها بدل أن يراقبها من بعيد.

وتشير دراسة أوروبية حديثة إلى أن غالبية متابعي الجرائم الواقعية لا يفعلون ذلك بدافع الفضول أو تمجيد القاتل، بل رغبة في فهم الخلفيات النفسية والاجتماعية التي تدفع المجرمين لارتكاب أفعالهم. كما بينت الدراسة أن الكثيرين يلجؤون إلى هذا النوع من المحتوى كوسيلة لتنظيم مشاعرهم والتعامل مع مخاوفهم.

وبيولوجيا، يفسر بعض علماء النفس انجذاب الإنسان للقصص العنيفة بأنه امتداد لغريزة البقاء التي شكّلت أسلافنا الأوائل؛ إذ كان إدراك التهديدات المحتملة شرطا أساسيا للنجاة. ومن هنا تؤدي قصص الجريمة دورا شبيها بـ”نظام إنذار داخلي” يساعدنا على التعرف على المخاطر.

لكن هذا الافتتان بالظلام يحمل وجها آخر؛ فالاستهلاك المفرط لهذا النوع من المحتوى قد يحوّل الفضول إلى قلق، ويزيد من مشاعر الخوف والتوتر، ما يستدعي قدرا من الوعي النقدي عند مشاهدة هذه الأعمال حتى تبقى وسيلة للفهم، لا مصدرا للاضطراب النفسي.

مقالات ذات صلة