احذر.. أمامك فاردة!!.. د. صبري الربيحات

استجابة لما يحدث على طرقاتنا اليوم أظن أننا أصبحنا بحاجة إلى إشارة طرق تحذيرية جديدة يكتب عليها “احذر.. أمامك فاردة” فوجود الفاردة وعصبية من يشكلون مواكب الأفراح أصبحا وصفة من وصفات الموت أو الإيذاء البليغ على أقل تقدير.

لم يخطر ببال أي منا أن يأتي على بلدنا زمن تتحول فيه مواكب الأعراس إلى مأسٍ كتلك التي حصلت على إحدى طرق محافظات الشمال، أو كحادث الاعتداء الذي وقع من قبل إحدى “الفاردات” على شرطي مرور ضمن حدود العاصمة قبل أسابيع.
تحطيم جمجمة طفل لم يبلغ الرابعة من قبل ثلة من الغاضبين حدث تاريخي جديد يعبر عن حجم الاستفزاز الذي وصل له المجتمع والاستهتار الذي أصبح سمة من سمات سلوكنا والتدهور الذي أصاب القيم والمبادئ والأخلاق التي طالما تغنينا بها.
في الأعراف الأردنية كانت الفاردة حدثا ينتظره الأقارب والأنسباء والمحبون والجيران حيث تطوف مواكب العرسان في ارجاء المكان لنشر الفرح ودعوة الجميع للتعبير عن مباركاتهم للازواج وقبولهم للعلاقة الجديدة ومشاركة الفرح الذي يصنعه الشباب والشابات الاكثر قربا والتصاقا بركني العلاقة الزواجية الناشئة.
لاحتفالات الزواج وظيفة لا تتعدى الإعلان عن دخول رجل وامرأة في علاقة مشروعة “زواج” واستعدادهما لتحمل ما يترتب عليها من تبعات، إضافة إلى إعلام كل من يهمه الأمر أن الحالة الاجتماعية لعضوين او اكثر من اعضاء المجتمع المحلي قد تبدلت من عازب الى متزوج فالمجتمعات تقيم المراسم والاحتفالات لإشهار التحولات التي تطرأ على بنائها ووظائفها وأدوار الاعضاء ومراكزهم .
الاحتفالات والولائم والمواكب نشاطات وطقوس ينظمها المجتمع من أجل الإعلان والإعلام للجميع بحدوث التحول ودعوة اعضاء الجماعات التي ينتمي لها اطراف العلاقة للقبول والمباركة. منذ زمن بعيد كان الإعلان والإعلام في حدود جغرافيا المجتمعات المحلية ولا يتخطاها فالحدث لا يعني غير من هم في دائرة نشاط الفرد ودائرة اهتماماته لذا فقد كان لهذه المناسبات بهجة ومعنى يشعر به العروسان وأعضاء المجتمع المحلي على حد سواء.
نتيجة للتحولات الاقتصادية التي شهدتها المجتمعات التقليدية وانتشار التكنولوجيا وزيادة فرص الاختلاط والتواصل اصبح الزواج نسقا اجتماعيا يختلف في طبيعته عن ذلك النسق التقليدي الذي عرفته المجتمعات الزراعية والرعوية حيث اخذ الافراد يقبلون على الزواج من شركاء نشأوا خارج بيئاتهم او يعيشون في مجتمعات وإقليم غير التي عرفوها او نبتوا فيها. كنتيجة لهذا التحول في خيارات الأزواح واستمرار تقيد العائلات بالطقوس والأعراف المتبعة في إقامة احتفالات الزواج أصبحت المواكب والاحتفالات مناسبات تشارك فيها جماعات متعددة تتنافس في استعراض قيمها ونفوذها وقوتها.
مواكب زفة العرسان “الفاردة” اصبحت تأخذ طابع المظاهرات الاستعراضية المشبعة بالنشوة والمغرية للبعض بالخروج على القانون وتجاهل حقوق الغير في الامن والطمأنينة والحماية. في حالات اخرى يشعر بعض المنظمين للمواكب بشيء من القوة والنفوذ والتفوق لدرجة تدفع بهم الى انكار حقوق الاخرين في استخدام الطريق او الوصول الى مصالحهم ومقاصدهم في الاوقات المناسبة.
الافراط في التسامح مع هذه الحالات بحجة التعاطف والتقدير لمشاعرالفرح عوامل ساعدت على تنامي هذه الظاهرة واتخاذها لمسارات خطيرة. المجتمع الاردني وبالرغم من سرعة دوران عجلة تغيير التشريعات يفتقر الى رؤيا عصرية لبناء وتنظيم المجتمع ويئن تحت وطأة الارتجال في التغيير والتشريع والمعالجة للقضايا التي تحدد مساراته ومستقبله.
القرارات التي اتخذت في معالجة الاعتداء على الشرطي والتي ستتخذ في معالجة الطفل الذي قتل ولا ذنب له تبعث برسائل خطيرة حول هشاشة القانون وتخبط اجراءات التعاطي مع من يخرج عليه.

مقالات ذات صلة