شهادة ثقة دولية للاقتصاد

سلامة الدرعاوي

حرير- شهادة ثقة دولية جديدة، وفق إعلان وكالة موديز التي أنهت مراجعتها الدورية لتصنيفات الأردن، إذ إن التقرير يعكس تقييماً مستقراً لأداء الاقتصاد الأردني واستمراره في الحفاظ على توازنه رغم التحديات الإقليمية والدولية.

شهادة “موديز” ليست مجاملة أو بناءً على علاقات أو مصالح، ولكن هي تقييم لسياسات اقتصادية متوازنة نُسجت بعناية ضمن إطار رؤية التحديث الاقتصادي 2023–2033، وسياسات نقدية حذرة يقودها البنك المركزي الأردني بثقة واقتدار.

ففي وقتٍ تواجه فيه دول كثيرة اضطرابات مالية وتضخماً متصاعداً وانكماشاً في معدلات النمو، ينجح الأردن في الحفاظ على استقرار سعر الصرف ومعدلات التضخم ضمن حدود آمنة، ويواصل تحقيق نمو حقيقي بنسبة 2.8 % في النصف الأول من العام الحالي، مع توقعات ببلوغه 3 % خلال عامي 2026–2027.

وهذا الأداء يعكس صلابة البنية المؤسسية وقدرة الدولة على التكيف مع المتغيرات، دون التخلي عن أولوياتها في التشغيل، وتحفيز الاستثمار، وضبط المالية العامة.

اللافت في التقرير أن “موديز” لم تكتف بالإشادة باستقرار الاقتصاد الكلي، بل أشارت بوضوح إلى أن الأردن يملك مؤسسات مالية وإدارية قادرة على تنفيذ الإصلاحات بفاعلية، وهو ما يعزز مناخ الثقة لدى المانحين والمستثمرين الدوليين.

كما أن سياسة ربط الدينار بالدولار تبقى عاملاً محورياً في تقوية الموقف النقدي للدولة، وتوفير مظلة أمان ضد أي تقلبات محتملة في أسعار الصرف أو الأزمات الإقليمية.

الاقتصاد الأردني استطاع أن ينجز في إقليمٍ يصعب التنبؤ به، وسط تصعيد عسكري متواصل في المنطقة، لا سيما حرب الإبادة التي يتعرض لها الأشقاء في غزة، والتي ما تزال تختبر تثبيت وقف إطلاق النار رغم الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة.

ومع هذا المشهد المأساوي، يواصل الأردن إدارة ملفاته الاقتصادية والمالية بمسؤولية نادرة، مؤمناً بأن الاستقرار الاقتصادي هو خط الدفاع الأول عن الأمن الوطني والاجتماعي.

هذه النتائج تعكس نهجاً اقتصادياً عقلانياً يقوم على الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والانفتاح على الاستثمار، والتدرج في الإصلاح المالي، بعيداً عن الإجراءات الصادمة أو العشوائية، فالعجز يتراجع تدريجياً إلى 2.1 % بحلول عام 2027، والإصلاحات الضريبية تسير وفق خطة مدروسة بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، ما يضع المالية العامة على مسارٍ مستدام.

إن تثبيت التصنيف الائتماني رغم الظروف الإقليمية والضغوط الجيوسياسية هو تصويت ثقة دولي بقدرة الأردن على المضي قدماً في تحقيق رؤيته الاقتصادية، كما إنها شهادة جديدة تؤكد أن الأردن لا يكتفي بالصمود، لكن يواصل البناء بخطى ثابتة، مستنداً إلى رؤية ملكية رشيدة، وسياسة نقدية حصيفة، ومؤسسات قوية تدير التحدي بالعقل والحنكة.

مقالات ذات صلة