
عَقِلَ العرب .. جُنَّ العرب
حاتم الكسواني
يلعب العرب دوما دور العاقل والمتأني والصابر إستراتيجيا في حل قضاياهم التي غالبا لاتترك لهم وحدهم بل تتم دائما بتدخل دولي او تحت وصاية دولية .
إذا إستعرضنا تاريخنا العربي الحديث في زمن تشكل الدول وترسيم الحدود بينها نجد إنها كانت تحت الإحتلال الإستعماري .. ثم تحت الوصاية .. ثم تحت التبعية الدولية .
وللأسف ما انفكت الدول العربية من التآمر ضد بعضها البعض والإستقواء على بعضها البعض .. ودون طول تفسير فحالات التآمر والإستقواء ماثلة أمامنا اليوم في أكثر من قضية ، فكل العرب حتى البعثيين منهم كانوا مع إحتلال العراق ، وكلهم لم يحركوا ساكنا عند تدمير ليبيا واسقاط القذافي بل شارك طيرانهم وطياريهم بقصف ليبيا .
كل العرب لم يحركوا ساكنا عند تدمير سوريا وقصف الطيران الروسي لحلب ومخيم اليرموك ، ولا عندما قصفت الطائرات الإسرائيلية كل بقعة في سوريا ، ولا حتى عندما عادت لتدمر كل مكونات الجيش السوري بعد سقوط نظام الأسد
لم يحرك العرب ساكنا عندما تم تقسيم اليمن شمالا وجنوبا سنة وشيعة ، شرعية ولا شرعية .. ولم يحركوا ساكنا عندما احترب مع السعودية ، وكان القتلى من الجانبين عرب .
لم يتدخل العرب لنصرة لبنان أو نصرة غزة بل إصطفوا ضد حزب الله الشيعي وحركة حماس السنية للقضاء عليهما ونزع سلاحهما … وجلس العرب بين صفوف النظارة لمشاهدة عملية الإبادة ضد الشعبين اللبناني والفلسطيني … ” والسوداني ” إلى أن وصل عدد الشهداء الذين قتلهم العربي و الأجنبي في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق وليبيا والسودان و موريتانيا ..وغيرها من الدول العربية ، وبسبب عدم توفر إحصائيات فإنها قطعا تقدر بالملايين .
كل هذا والعرب كالمجانين لا يعرفون مصالحهم و لا كيفية الحفاظ على مقدراتهم ، وينصاعون لتبعيتهم ومن يتحكمون بسلوكهم .
حالة من الجنون العربي لا تعرف فيها من مع من ، ومن ضد من. سوى أنهم مع اعدائهم ضد بعضهم البعض ، يقتلون بعضهم البعض و ” يتميلشون ” بأمر من مُسلحيهم الامروصهيونيين ضد مصالح بلادهم وشعوبهم .
وعندما يَعقل العرب يدخلون صفقات سلام لا يلتزم فيها سواهم ، يحدث ذلك في لبنان وغزة وسوريا والعراق ، فيَعتدي عليهم عدوهم في عقرِ دارهم في كل وطن عربي وكل مكان .. وحينه نطالب عدونا بالتعقل والإلتزام بالإتفاقيات والعهود ، ونطالب الراعي الدولي المتواطئ بالتدخل ، والوسيط العربي ببذل الجهد لدى الراعي والفرقاء .
التعقل العربي يقود إلى مزيد من الإنتظار .. والانتظار ، وتاجيل حل المشكلات والسيطرة عليها ، ويقود إلى الخنوع ، و عدم القدرة على مواجهة الآخر ، وإلى الخضوع لإبتزازه وإسغلاله وبقاء دولنا نهبا للفقر والبطالة وانخفاض معدلات النمو الإقتصادي وتراجع وتيرة التطور .
التعقل العربي يبقينا بعيدا عن الوصول إلى توصيف الدولة المدنية .. تماما كما وصفنا ” باراك ” المندوب الأمريكي للسلام في لبنان بأننا لم نرقي لمستوى الدولة المدنية بل اننا عبارة عن تنظيمات عشائرية وعائلية وطائفية ليس إلا
التعقل العربي يقودنا شعبيا إلى الشعور بالقهر و فقدان الثقة وعدم اليقين بالماضي والتاريخ ولا في المستقبل و القائمين على رسم ملامحه .
إذا جن العرب فضد بعضهم البعض ، وإذا عقل العرب فضد بعضهم البعض أيضا .. أيعقل أن يصطف العرب مع الصهيوني الذي يبيدهم في لبنان وفلسطين .. أيعقل أن نطلب إستسلام المقاوم للمحتل ..وإستسلام المدافع عن شرف الأمة لمن يعمل على إذلالها .
متى يَجن العرب ويثورون لكرامتهم ويوقفون من لم يلتزم بعهد أو إتفاق معهم ، ويواصل قتلهم وتدمير ديارهم عند حده وحدوده ، ويصيغون مشروعهم القومي وخطة حريتهم وتحريرهم .
 
					 
					 
					


