التعليم ومؤشرات الأداء.. عقود من التحديات

مكرم الطراونة

حرير- التحذيرات التي بدأت بالانطلاق منذ أواسط التسعينيات، حول مظاهر ضعف منظومة التعليم الوطنية، تصدى لها مخططو السياسات التعليمية، غالبا، باللجوء إلى “المناهج”؛ تغييرا كاملا أو حزئيا، لـ”ذر الرماد في العيون”، ومن أجل أن يقولوا إنهم يعملون على تخطي التحديات المفروضة علينا. التغييرات في المناهج، وعلى مرّ العقود الماضية، رافقها الكثير من الجدل، وانتقد خبراء خلالها اللجوء إلى مناهج لا تتواءم؛ اجتماعيا واقتصاديا ومعرفيا، مع الحالة الأردنية، وجاءت بمثابة “هبوط بالبراشوت” على منظومتنا، من دون أن تتوفر لها عملية التبييئ المناسبة.

الاختلالات التي صنعتها عقود من التخبط، يبدو أنها تكشفت في النهاية، فالتقرير الذي نشر مؤخرا عن تحليل أداء المدارس في الزيارات التقييمية، رفع درجة الخطورة إلى مدى مقلق عن واقع التعليم، خصوصا أن غالبية المؤشرات الأساسية جاءت نسبها في خانة الضعيف أو المتدني.

المؤشرات عكست “خللاً بنيوياً في منظومة التعليم”، يطيح بجودة المخرجات، فمثلا؛ 88 % من المدارس ضعيفة أو متدنية في توظيف نتائج تقويم الطلبة لتحسين التعلم، و64 % ضعيفة بتنويع إستراتيجيات التدريس ومراعاة الفروق الفردية، و82 % ضعيفة ومتدنية في التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة.

وجاء التعامل مع التقييم كإجراء شكلي وليس كأداة لتحسين الأداء، والتركيز على التلقين ونقل المعلومات دون تنمية التفكير النقدي أو الإبداع، وغياب بيئة تعليمية دامجة، ونقص في الكوادر المؤهلة والبنية التحتية المناسبة.

المحزن في الأمر، أن التقرير أعاد أسباب التراجع إلى العناصر الأساسية التي ما يزال ينبه إليها الخبراء منذ أكثر من ثلاثة عقود، خصوصا ما يتعلق بضعف إعداد وتأهيل المعلمين، وهي معضلة ما تزال تؤثر بشكل سلبي جدا على منظومة التعليم بأكملها. ورغم أن وزارة التربية والتعليم تعهدت بتطبيق برنامج تدريبي تخرج من خلاله آلاف المعلمين المؤهلين، إلا أن تأهيل الكوادر التعليمية ما يزال يعاني من ضعف شديد، يتبدى في قبول بمهنة التعليم، أحيانا، دون معايير كفاءة واضحة، وفي محدودية برامج التدريب المستمر والتطوير المهني للمعلمين، وأيضا في غياب الحوافز الجاذبة للمعلمين المتميزين، وضعف نظام المساءلة والتحفيز.

إن ضعف جودة التعليم والتعلّم، تتبدى بشكل لا لبس فيه بانخفاض مستوى التحصيل الدراسي في المواد الأساسية كاللغة العربية والرياضيات والعلوم، وفي ضعف القرائية؛ أو مهارات القراءة والفهم والتحليل لدى الطلبة في مختلف المراحل، وفي اعتماد الحفظ والتلقين بدلا من الفهم والإبداع والتفكير النقدي، وأيضا في تدنّي نتائج الطلبة في الاختبارات الدولية مثل PISA وTIMSS..

كما أن جودة التعليم نفسها تعاني من اختلالات واضحة، ومن تفاوت كبير بين المدارس الحكومية والخاصة، وداخل منظومة المدارس الحكومية نفسها، إضافة إلى ضعف الرقابة والتقييم الفعال لأداء المعلمين والإدارات المدرسية، ونقص الموارد التعليمية والبنى التحتية، واكتظاظ الصفوف في كثير من المدارس الحكومية.

يضاف إلى ذلك، الخلل في المناهج والامتحانات، فرغم التطويرات المستمرة على المناهج، ما يزال كثير منها يعاني من فائض كبير في المعلومات التي تحتاج إلى الحفظ وليس الفهم، ما يعيده الخبراء إلى تطوير شكلي ضمن مناهج تقليدية لا تراعي مهارات القرن الحادي والعشرين، كما أن الامتحانات تركّز على الكمّ لا الكيف، وتعتمد على الحفظ لا التطبيق، أي أنها ما تزال تقيس درجة التذكر، وهي أدنى المستويات في هرم بلوم لمهارات التفكير التي تتدرج من التذكر، الفهم، التطبيق، التحليل، التقييم، وصولا إلى الابتكار.

تحتاج منظومة التعليم الوطنية لدينا إلى رؤية إستراتيجية متكاملة ومستدامة للتعليم، نتغلب من خلالها على التحديات والاختلالات البنيوية، ونتخطى فيها تحديات الإدارة والسياسات التعليمية، وضعف استخدام البيانات والمؤشرات لاتخاذ القرار التربوي، وتأثيرات الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على التعليم العام. من دون ذلك، سيبقى التعليم النوعي ضعيفا، والتفاوت بين المدارس قائما.

مقالات ذات صلة