ورقة سياسات بمناسبة اليوم العالمي للعمل اللائق (7 تشرين أول)

دعوة لإستراتيجية وطنية للعمل اللائق

حرير – أصدر المركز الأردني لحقوق العمل “بيت العمال” بمناسبة اليوم العالمي للعمل اللائق ورقة سياسات تحليلية شاملة حول العمل اللائق في الأردن لعام 2025، تناولت تقييم مدى قدرة سوق العمل الأردني على توفير فرص عمل منتجة ولائقة، ومستوى الامتثال للحقوق الأساسية للعمال وتغطية نظم الحماية الاجتماعية والحوار الاجتماعي وموقع هذه القضايا في خطط التنمية الاقتصادية، وأكدت الورقة أن الأردن ما يزال يفتقر إلى إطار وطني متكامل للعمل اللائق يربط بين النمو الاقتصادي وجودة الوظائف على الرغم من إطلاق مبادرات وبرامج متعددة في السنوات الأخيرة.

وأظهرت الورقة أن معدل البطالة في الأردن بلغ 21.4 بالمئة في عام 2024 وبين فئة الشباب 46.6 بالمئة وبين النساء 32.9 بالمئة، فيما لم تتجاوز المشاركة الاقتصادية للنساء 14.9 بالمئة مقابل أكثر من 53 بالمئة للرجال، كما بينت أن نصف المتعطلين تقريبا يعانون بطالة طويلة الأمد، وأن النمو الاقتصادي الذي تراوح بين 2 و3 بالمئة في السنوات الأخيرة لم ينجح في خلق وظائف نوعية تكفي لاستيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل.

وأشارت الورقة إلى أن الأجور ما تزال منخفضة مقارنة بكلفة المعيشة فرغم رفع الحد الأدنى إلى 290 دينارا بداية 2025 إلا أنه ما زال أقل بكثير من متوسط كلفة معيشة الأسرة الأردنية، كما أظهرت 55 بالمئة من المؤمن عليهم في الضمان الاجتماعي يتقاضون أقل من 500 دينار شهريا، وما تزال الفجوة الأجرية بين الجنسين قائمة عند حدود 14 بالمئة لصالح الرجال في القطاع الخاص، مع اتساعها في المناصب الإدارية العليا وبين الجامعيين.

وأوضحت الورقة أن الاقتصاد غير المنظم يستوعب أكثر من 55 بالمئة من المشتغلين، ما يترك شريحة واسعة من القوى العاملة خارج أي حماية قانونية أو اجتماعية، ورغم إقرار الإطار الوطني للانتقال إلى الاقتصاد المنظم عام 2015، إلا أنه لم يطبق فعليا لغاية الآن، كما يغطي الضمان الاجتماعي حوالي 1.6 مليون عامل فقط من أصل قوة عاملة تقارب 3 ملايين، ما يعني أن نصف العمال ما زالوا بلا مظلة حماية اجتماعية.

كما تناولت الورقة أوضاع العمالة المهاجرة التي تساهم بشكل كبير في قطاعات رئيسية مثل صناعة الألبسة والزراعة والإنشاءات والخدمات المنزلية، وأكدت أن ضعف التفتيش وآليات الإنصاف يتيح استمرار انتهاكات مثل حجز جوازات السفر وحجب الأجور وساعات العمل الطويلة، ورغم اعتماد الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر 2024–2027 إلا أن تنفيذها بحاجة إلى إجراءات عملية واضحة تضمن وصول العمال إلى العدالة دون الخوف من فقدان الإقامة أو الترحيل.

ورصدت الورقة البرامج الدولية التي أسهمت في تحسين ظروف العمل، ومنها برنامج “عمل أفضل الأردن” الذي ساعد على تطوير بيئة العمل في قطاع الألبسة وتحسين ظروف آلاف العمال، لكنه ظل محصورا في هذا القطاع ولم يتحول إلى سياسة وطنية أوسع خاصة بعد توقف التمويل الدولي له في السنوات الأخيرة، كما تناولت برنامج العمل اللائق للمرأة (2022–2023) الذي قدم أدوات عملية لقياس فجوة الأجور ومكافحة العنف والتحرش وتشجيع سياسات العمل المرن ودعم الحضانات، إلا أن غياب الإلزام القانوني والمتابعة جعل أثره محدودا خصوصا في القطاعات غير المنظمة.

وفي الجانب الوطني، أوردت الورقة مبادرات مهمة مثل إطلاق الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية 2025–2033، وتطوير منظومة تشريعات السلامة والصحة المهنية وإطلاق الاستراتيجية الوطنية للسلامة والصحة المهنية 2023–2027، إضافة إلى جهود تحديث التدريب المهني بتأسيس 15 مجلس مهارات قطاعي وتطوير أكثر من 100 معيار مهني جديد. لكنها أكدت أن هذه الجهود ظلت متفرقة وغير مرتبطة بإطار شامل يقيس أثرها على جودة الوظائف.

وانتهت الورقة إلى توصيات عملية أبرزها تطوير استراتيجية وطنية للعمل اللائق تقودها وزارة العمل بالشراكة مع النقابات وأصحاب العمل والمجتمع المدني والجهات الرسمية ذات العلاقة، ووضع أهداف كمية واضحة لخفض البطالة وزيادة الوظائف المنتجة وتحسين الأجور وتوسيع الحماية الاجتماعية، كما أوصت بتحفيز الاستثمار في القطاعات عالية القيمة المضافة كالطاقة المتجددة والتكنولوجيا والصناعات المتقدمة والزراعة الحديثة، وربط الحوافز بخلق وظائف لائقة ومستدامة وإصلاح التعليم والتدريب المهني عبر آلية وطنية للتنبؤ بالمهارات وربط المجالس القطاعية بخطط تشغيل فعلية.

وأكدت الورقة أهمية آلية قانونية لمراجعة الحد الأدنى للأجور وفق كلف المعيشة وفرض التزام الشركات الكبرى بنشر تقارير عن الأجور حسب الجنس لتقليص الفجوة الأجرية، وتعزيز جهاز التفتيش العمالي وتطوير آليات الشكاوى الرقمية، وتوسيع الحوار الاجتماعي وتحديث القوانين لتشمل القطاعات الحديثة كالاقتصاد الرقمي والمنصات، كما شددت على ضرورة ربط سياسات التحول نحو الاقتصاد الأخضر بخطط انتقال عادلة تحمي العمال في القطاعات المهددة وتوفر بدائل عمل جديدة ذات جودة عالية.

مقالات ذات صلة