” حين انكشفت الخطة ” : من ورقة ترامب إلى مرآة المقاومة”

بقلم: يحيى بركات

لم يكن مؤتمر ترامب ونتنياهو في واشنطن عرضًا سياسيًا فحسب؛
كان مسرحًا يُضاء فيه وجهان بلونٍ واحد:
وجه ترامب الباحث عن مجدٍ شخصيٍّ في لحظةِ فوضى،
ووجه نتنياهو الذي يقاتل ليهرب من ظلال سجنه القريب.

بين يديهما وُضعت ورقةٌ قيل إنها خطة لإنهاء الحرب،
لكنها في جوهرها كانت محاولة لشراء الوقت وابتزاز الدم.
ورقة خالية من الاعتراف بالواقع،
خالية من الشعب الذي كُتب اسمه في العنوان،
خالية من الضمير الذي يُفترض أن يكون مادة السلام.

ترامب لم يرَ غزة،
رأى فقط “رهائن” يمكنهم منحه تذكرة إلى جائزة نوبل،
ولم يرَ أن في غزة مليونَي إنسانٍ ينتظرون الحياة لا الأضواء.
أما نتنياهو، فقرأ الورقة بعين المحامي لا القائد:
كيف يُفسّر البند؟ كيف يلتف عليه؟ كيف يُبقي “الأمن” في يده؟
لقد كان الشيطان يبتسم بين السطور،
وكل بندٍ في الخطة كان مفتوحًا ليُدخل منه نتنياهو خُبثه المبرمج.

فلم يكن انسحابًا مشروطًا،
بل انسحابٌ دون موعد.
لم تكن وصايةً دولية محدودة،
بل احتلالًا بملابسٍ جديدة.
لم تكن دولة فلسطينية،
بل إدارة أزمةٍ مؤبدةٍ تحت كاميرات العالم.

هكذا صارت الخطة “ترامب ـ نتنياهو”،
لا خطة سلام، بل خطة إطالةٍ للدم وإعفاءٍ من الذنب.

التفاصيل التي حاولوا دفنها

في التفاصيل كان السحر،
وفي التفاصيل كان الشيطان.
إسرائيل صاغت البند الأمني كفخّ:
«الانسحاب بعد انتفاء التهديد».
جملةٌ تبدو بريئة، لكنها تعني أن الاحتلال لن ينتهي أبدًا،
لأن “التهديد” كلمةٌ تُعرّفها تل أبيب حسب مزاجها.

أما “مجلس السلام” الذي أراده ترامب برئاسته وتوني بلير نائبًا له،
فكان مشروع “وصايةٍ مطاطية”
تحوّل غزة إلى مختبر سياسيٍّ بلا سيادة،
وتحوّل الفلسطينيين إلى مقاولين في إعمارٍ لا يملكون مفاتيحه.

كل شيء كان معدًّا بعناية ليبدو ناعمًا على الورق،
لكن خلف النعومة كان المشرط الإسرائيلي ينتظر توقيع الضحية.

ثم حدث ما لم يتوقعه أحد
حين ظنّ الجميع أن حماس سترفض،
جاء ردها كمن يطلق رصاصة في قلب المشهد:
موافقة… ولكن.

وافقت على وقف الحرب، وعلى تبادل الأسرى،
وعلى انسحابٍ بجدولٍ زمنيٍّ مُلزِم،
وعلى إعادة الإعمار تحت إشرافٍ فلسطينيٍّ وطنيٍّ جامع،
ورفضت الوصاية الأجنبية، ورفضت الحديث عن سلاح المقاومة خارج إطار وطني شامل.

قالت للعالم:
“لسنا ضد السلام، نحن ضد الخداع.”

هنا سقطت الأقنعة.
ترامب وجد نفسه أمام اختبار لا يمكن الهروب منه،
فقد كان هو نفسه من قال سابقًا: لا للضمّ، ونعم لحلٍّ شاملٍ يُنهي الاحتلال.
والعرب الذين تفاهم معهم على خطوط الخطة،
كانوا يتحدثون عن سلامٍ شامل، لا عن صفقةٍ ناقصة.

أما نتنياهو، فقد انكشف في أوضح لحظاته شيطنةً:
فقد فقد الذريعة التي ينتظرها.
كان يريد رفض حماس ليواصل المجزرة،
لكن الموافقة سحبَت من يده السيف،
فبدأ يفتّش عن سببٍ ليفشل الخطة،
كمن يبحث عن طعنةٍ ليبرر بقاءه حيًا.

في تلك اللحظة،
كان الرد الفلسطيني يُعيد الخطة إلى طاولة أصحابها الحقيقيين:
الحركة الوطنية الفلسطينية، منظمة التحرير، السلطة، الفصائل،
وكل القوى الفاعلة على الأرض.

الآن… لا مفرّ من الحقيقة
الكرة لم تعد في غزة ولا في واشنطن،
بل في ميدان السياسة الفلسطينية والعربية.
الموافقة الذكية وضعت الجميع أمام مرآة ضمائرهم:
هل تريدون السلام فعلًا أم استمرار اللعبة؟

على منظمة التحرير أن تستعيد دورها،
وعلى السلطة أن تغادر لغة الانتظار،
وعلى الفصائل أن ترى أن اللحظة التاريخية لا تتكرر مرتين.

هذه المرة، المقاومة لم تُغلق الباب بل فتحته،
فهل يدخل الجميع إلى الطاولة،
أم يبقون يتفرجون من خلف الزجاج،
بينما نتنياهو يعيد ترتيب أوراقه في الغرف المظلمة؟

الوحدة هي الممر الوحيد
الآن، لا نحتاج إلى خطبٍ ولا مزايدات.
نحتاج إلى وحدة وطنية جامعة،
تضمّ كل القوى التي قاتلت وصمدت ودفعت الثمن،
تضع على الطاولة برنامجًا واحدًا،
وسقفًا واحدًا،
ودولةً واحدة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

أما المشككون والطابور الخامس،
فلا مكان لهم في هذه اللحظة،
لأن دماء الشهداء لا تُساوم ولا تُقاس بمصالح صغيرة.

تضحيات شعبنا أكبر من أن تُختصر في انتهازية فئةٍ
تتغذى على الانقسام وتعيش على الفتات.
المرحلة القادمة لا تحتمل صغائرهم ولا نفاقهم.
الوطن أكبر من الجميع،
والوحدة ليست شعارًا بل قدر،
ومن يخرج عنها يخرج عن التاريخ نفسه.

6 تشرين الأول / أكتوبر 2025
يحيى بركات – مخرج سينمائي وناشط وطني فلسطيني
#غزة #فلسطين #المقاومة #ترامب #نتنياهو #الوحدة_الوطنية #منظمة_التحرير #السلطة_الفلسطينية #الفصائل #حل_الدولتين #القدس #الكرامة_الوطنية

مقالات ذات صلة